الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) ومنها يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله ((فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ (صلى الله عليه وآله) فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً))

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) ومنها يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله ((فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ (صلى الله عليه وآله) فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً))

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 11-10-2023

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
الدنيا في خطبة له عليه السلام: ومنها يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله
فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ ( صلى الله عليه وآله )، فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً [1] لِمَنْ تَأَسَّى وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى - وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّه الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّه، والْمُقْتَصُّ لأَثَرِه - قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً، ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْه الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَه[2] أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَه، وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَه وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَه، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّه ورَسُولُه[3] ، وتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّه ورَسُولُه، لَكَفَى بِه شِقَاقاً لِلَّه ومُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّه [4]

شرح الألفاظ الغريبة:
تأس: أي اقتد؛ القضم: الأكل بأطراف الأسنان، كأنه لم يتناول إلا على أطراف أسنانه، ولم يملأ منها فمه؛ أهضم: من الهضم: وهو خمص البطن، أي خلوها وانطباقها من الجوع؛ الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي؛ أخمصهم: أخلاهم؛ المحادة: المخالفة في عناد[5].

الشرح:
لما وصف حالهم [الأنبياء] عاد إلى الأمر بالتأسي بالرسول صلى الله عليه وآله لأنهم المأمورون بوجود الاقتداء به مطلقاً وفيه الأسوة الكافية لمن تأسى به ولأنه أقرب عهداً ممن سبق، وحث على التأسي به يكون المتأسي به المقتص لأثره أحب العباد إلى الله، وذلك من قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[6]، ثم عاد إلى اقتصاص من حاله صلى الله عليه وآله في ترك الدنيا والاقتصار منها على قدر الضرورة ليتبين ما يكون فيه التأسي به، وكنى عن ذلك بقضمها، ثم كنى عن عدم التفاته لها بعدم إعادتها طرفه، وعن كونه أقل الناس شبعاً فيها والتفاتاً إلى مأكلها ومشربها بكونه أخمصهم خاصرة وبطناً.
روي عنه صلى الله عليه وآله أنه كان إذا اشتد جوعه يربط حجراً على بطنه ويسميه المشبع مع ملكه قطعة واسعة من الدنيا[7].
وروي: أنه ما شبع آل محمد من لحم قط[8]. وأن فاطمة وبعلها وبنيها كانوا يصومون على أقراص من الشعير كانوا يعدونها لإفطارهم وربما آثروا بها السائلين وطووا.
روي: أنهم فعلوا ذلك ثلاث ليال طووا في أيامها حتى كان ذلك سبب نزول سورة هل أتى في حقهم كما هو المشهور في التفاسير[9].
وأما قوله: ((وعرضت عليه فأبى أن يقبلها))، فكما روي [ورد خ ل] عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: عرضت علي كنوز الأرض ورفعت إلي مفاتيح خزائنها فكرهتما واخترت الدار الآخرة.
وقوله: ((وعلم أن الله أبغض شيئاً...)) إلى قوله: ((فصغر)).
فبغض الله لها عدم إرادتها لأوليائه داراً، وإشارة إلى أنها مقصودة وجودها بالعرض وتحقيرها وتصغيرها بالقياس إلى ما اعد لهم في الآخرة.
ثم نفر عن محبتهما بعد أن أشار إلى بغض الله لها وتصغيره إياها بجملة اعتراضية يتلخص منها قياس هكذا: أقل معايبنا محبتنا لما أبغض الله وتعظيماً لما صغر وكل محبة وتعظيم كذلك فكفى به شقاقاً له ومحادة عن أمره، فينتج أن أقل ما فينا من المعايب يكفينا في مشاقة الله ومحادته. ثم أردف ذلك بتمام أوصافه في ترك الدنيا والتكاليف لها[10].)([11]).

الهوامش:
[1] في نهج البلاغة للشيخ العطار: إسْوَةً – بالكسر -
[2] (سبحانه): ليست في نهج البلاغة للشيخ العطار.
[3] (ورسوله) ليس في نهج البلاغة للشيخ العطار، وكذا في الموضع التالي.
[4] نهج البلاغة لصبحي صالح: 277-228/ ضمن الخطبة رقم 160، ونهج البلاغة للمحقق الشيخ ال عطار: 301/ ضمن الخطبة رقم 160، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 280/ ضمن الخطبة رقم 159، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 312-313.
[5] شرح الألفاظ الغريبة: 632.
[6] آل عمران: 31.
[7] شرح أصول الكافي 8: 380.
[8] شرح أصول الكافي 8: 280.
[9] انظر مجمع البيان لعلوم القرآن 10: 233.
[10] شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 285-286/ ضمن شرح الخطبة رقم 159.
([11]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 170-172.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2540 Seconds