بقلم: السيد نبيل الحسني.
يتخذ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من حركة التاريخ وسيلة لتقويم السلوك الإنساني وأداة لإصلاح المجتمعات؛ هذا الإصلاح الذي لا يتم إلا عِبْر إصلاح أفراد المجتمع أو الأمة كما يسميها القرآن الكريم.
وتمتاز علاقة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحركة التاريخ عن غيره ممن يهتمون بالتاريخ بأنه بتعايشه مع هذه الحركة، وكأنه عنصرٌ من عناصرها، وواحد من مكوناتها، فما أن يمرّ على سيرة أمة من الأمم إلاّ وتحدث عنها وكأنه أحد أفرادها المبصرين بأحوالها.
ولذا لم يكن عليه السلام ــ حينما يتحدث عن هذه الأمة أو تلك ــ بالرجل القاص، أو الراوي الذي يروم التسلية؛ وإنما الرجل المعايش لهذه الأمة والعارف بعوامل نهوضها، أو اندثارها، والمتبحر في أخلاقها وسلوكها.
ومن ثمَّ: نجده يحثّ على التعامل مع التاريخ تعامل المرشد، والمصلح، والمقوّم لحركة الإنسان الدنيوية والأخروية؛ مما جعل بعض الباحثين ينظرون إلى هذه العلاقة بأنها (علاقة وعظية)([1])، أي أن الغالب في حديثه عليه السلام عن التاريخ هو الوعظ.
في حين أنه عليه السلام لم يكن ليخالف المنهج القرآني والنبوي في بيان حركة التاريخ وسننه، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته بشكل واضح في خطبه وحديثه عن حركة التاريخ وسننه.
ففي حركة التاريخ يقول عليه السلام وهو يوصي ولده الإمام الحسن عليه السلام:
«أي بنيّ إني وإن لم أكن عُمَرّتُ عُمْرَ من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرتُ في آثارهم، حتى عُدتُ كأحدهم، بل كأني انتهى إليّ من أمورهم، ما قد عُمِّرتُ مع أولهم إلى آخرهم، فعرفتُ صفو ذلك من كدِرِه، ونفعه من ضرره»([2]).
وهنا نلاحظ رصده الدقيق لحركة التاريخ منذ أن وُجد الإنسان على هذه البسيطة ، وإنه جمع هذه المعرفة عِبْر النظر في أعمال الأمم أفراداً وجماعات، وفكّر في أخبارهم التي دأب المؤرخون على عرضها دون الفكرة في أحوالها، فامتاز عنهم بالنظر والفكر والسبر في آثارهم حتى أصبح كأحدهم.
بل أصبح له من المعرفة بتاريخ هذه الأمم وأحوالها وكأنّه عمّر مع أولهم إلى آخرهم، ليخرج بمحصلة لهذا كله بأنه أصبح الخبير المتمرس ، والعارف الحاذق بصفو الحياة الماضية من كدرها ، ونفعها من ضررها.
وبمعنى أدق: أصبح العارف بصفو التأريخ من كدره ونفعه من ضرره وأن هذه المعرفة الواسعة والشاملة والعميقة والدقيقة بالتاريخ حركة وسنناً كان لها الأثر الفعال في نمو الوعي التاريخي عند المسلمين ولاسيما رواد مدرسة العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام كـ(سليم بن قيس الهلالي، وجابر بن يزيد الجعفي، ومحمد بن إسحاق المطلبي شيخ كتّاب السيرة النبوية)[3] وغيرهم ؛ واستشرافاً لمجريات الأحداث التي سيقع فيها المسلمون من بعده كما وقع من كان قبلهم من الأمم ولاسيما بني إسرائيل.[4]
الهوامش:
([1]) حركة التاريخ عند الإمام علي عليه السلام، محمد مهدي شمس الدين.
([2]) نهج البلاغة: خطب الإمام علي عليه السلام: ج 3، ص 41. تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص70. كشف المحجة للسيد ابن طاووس: ص 161.
[3] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد ، السيد نبيل الحسني ، أصدار العتبة الحسينية، ط1 مؤسسة الاعلمي / بيروت .
[4]لمزيد من الاطلاع ، ينظر: حركة التاريخ وسُنَنه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، السيد نبيل الحسني : ص57 – 59 اصدار العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 مؤسسة الأعلمي ـ بيروت /1430هـ ــ 2009م