بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال الإمام علي(عليه السلام): ((سلوني قبل أن تفقدوني)).
من روائع كلامه وغزارة علمه قوله (عليه السلام): ((سلوني قبل أن تفقدوني)) [1]. قال الخليل: ((سَأَل يسألُ سُؤالاً ومَسألةً، والعربُ قاطبةً تحذِف همزةَ سَلْ فإذا وُصِلَتْ بفاءٍ أو واوٍ هُمِزَتْ، كقولك: فاسأل، واسأل))[2]. وقال ابن فارس: ((السِّين وَالْهَمْزَة وَاللَّام كَلِمَة وَاحِدَة. يُقَالُ سَأَلَ يَسْأَلُ...)) [3]، والسّؤال: مَا يسأَله الإِنسان يريد به الطلب [4].
وفي نهج البلاغة رُوي عن أبي جعفر الاسكافي في كتاب نقض العثمانية عن علي بن الجعد...، قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: سلوني إلا علي بن أبي طالب عليه السلام))[5]، وذلك؛ لأنه كان واسع العلم بأحداث الماضي و الحاضر و المستقبل بحيث يجيب على كل سؤال بشأن المعارف و الأحكام، وهو العلم الذي تعلمه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي أخذه عن الوحي[6]، ولذا يسكت القلم إجلالاً أمام كلماته الرائعة، والتنغيم والسجع المنتظم وهو يخطب على المنبر ويقول: ((فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولاعن فئة تهدي مئة، أو تضل مئة، إلا نبأتكم...))[7] وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير، وهى متداولة منقولة، ومستفيضة، خطب بها الإمام (عليه السلام) بعد انقضاء حرب النهروان[8]. وهناك روايات كثيرة ذُكِرتْ لا يسع المقام لذكرها منها: ذكر المجلسي، والأميني خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (( سلوني والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم... ))[9].
ومن هذا المنطلق رفع الإمام علي (عليه السلام) بعلمه نفوساً ضلت عن الطريق وقلوباً خفت عنها البريق بروح سامية مخاطبا إياها بقوله (عليه السلام): ((أيُّها النِّاسُ اسْتَصْحِبُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحِ وَاعظٍ مُتَّعظٍ، وامْتَاحُوا[10]مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنْ الْكَدَرِ))[11]، وهو(عليه السلام) بهذا يحث أصحابه على أن ينتفعوا بعلمه، ويصلحوا أنفسهم بوعظه وإرشاده؛ لأنه نفس النبي (صلى الله عليه وآله) ووارثه، فإنه يسير بهم في طريق الحق والنجاة، ومن ذلك قوله (عليه السلام) مرارا وتكراراً: (سلوني قبل أن تفقدوني) [12] نعم، فقد اجمع الناس كلهم على انه لم يقل أحد من الصحابة، ولا أحد من العلماء (سلوني) غير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام )[13]، كما يقال: سلهم، ويقال: سل أمم من أرسلنا فيكون السؤال هاهنا على جهة التقرير والترغيب[14]. وإن دل ذلك إنما يدل على عظم المحل في العلم)[15].
الهوامش:
[1] غريب الحديث في بحار الانوار: 2/228.
[2] العين: (سأل)7/301، وينظر: تهذيب اللغة: (سَأَلَ)3/124، ولسان العرب: 11/318.
[3] مقاييس: (سَأَلَ)3/124.وينظر: لسان العرب: 11/318.
[4] ينظر: لسان العرب: 11/318.
[5] نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 7/46.
[6] ينظر: نفحات الولاية: 4/137.
[7] ، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 10/14، 2/286، بحار الأنوار: 51 / 57.، نهج البلاغة بشرح محمدعبده: 1/182.
[8] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 12/197.
[9] بحار الأنوار: 6/139، الغدير: 6/193.
[10] امتاحوا من: متَحَ يَمتَح، مَتْحًا، فهو ماتح،...ومتَح الماءَ: استخرجه وأخذه من مصدره.» معجم اللغة العربية المعاصرة: (متح) 3/2063.
[11] نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 1/201، في ظلال نهج البلاغة: 2/114.
[12] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن ابي الحديد: 2/228.
[13] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 2/286، وينظر: بحار الأنوار: 30/671.
[14] ينظر: الغريبين في القرآن والحديث: 3/850.
[15] [15] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 129-131.