بقلم: السيد نبيل الحسني.
في المورد التاسع الذي يدافع فيه المفسر الآلوسي عن خصوم فاطمة (عليها السلام)، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، فيقول:
(وقد أجمع أهل الأصول من أهل السّنة والشيعة على أن تقسيم الخبر إلى المتواتر وغيره بالنسبة إلى من لم يشاهدوا النبي (صلى الله عليه[وآله] وسلم) وسمعوا خبره بواسطة الرواة لا في حق من شاهد النبي (صلى الله عليه[وآله] وسلم) وسمع منه بلا واسطة، فخبر «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» عند أبي بكر قطعي لأنه في حقه كالمتواتر، بل أعلى كعباً منه، والقطعي يخصص القطعي اتفاقاً، ولا تعارض بين هذا الخبر والآيات التي فيها نسبة الوراثة إلى الأنبياء عليهم السلام)[1].
أقول:
1- (إنَّ القطعي الذي يخصص القطعي أتفاقاً)، هو ظلامة فاطمة (عليها السلام)، بل (أعلى كعباً منه) هو التخبط في الباطل فصاحبه لا يهتدي الطريق فينكفئ على وجهه وتنكشف سوءته، وذلك عِبر نعته رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمخالفة كتاب الله الذي ينص على التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام) كي يدفع عن خصم فاطمة (عليها السلام) ما يترتب في الشريعة على ظلمها، فتمسك بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» المزعوم نسبته للنبي (صلى الله عليه وآله)؛ وما قولهم له وهو في ساعاته الأخيرة: (ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يردون عليه)[2] وهو حي بينهم بأهون من ردهم عليه وإيذائه بقولهم لبضعته فاطمة: «لا نورِّث».
2- إن حديث «لا نورث» ومنذ أن نطق به أبو بكر وهو يحاول أن يثبت لبضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) أنه سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يفلح فكانت نهايته –كما تفيد النصوص- أن مات وفي نفسه أمنيات يا ليتها تحققت ومنها: (عدم كشف بيت فاطمة (عليها السلام) ولو اغلق على حرب)[3].
ثم تبعه في هذه المحاولات من جلس للسلطة والإمارة وهم يحاولون بكل ما أوتوا من امكانات في أثبات نسبته لرسول (صلى الله عليه وآله) وتبعهم على ذلك أشياعهم وأنصارهم ولا سيما من تصدى من أعلام أهل السُنَّة والجماعة للبحث فيما شجر بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بكر، منذ وقوع الرزية وإلى يومنا هذا، فكانت النتيجية أنها أمنيات تلف الخائض بها إلى مماته كما تمنى من جاهر بخصومة فاطمة (عليها السلام).
3- لو كان التوارث بين الأنبياء يقرر بعلم الكلام والأصول والسفسطة مع وجود النصوص القرآنية في أثباته لما احتاج أعلام أهل السُنَّة والجماعة الى إيراد الشواهد في دفع الآحاد عن الحديث، سعياً منهم لرفع الشبهة عنه، فلما يئسوا عن ذلك قالوا في الأصول:
(وأما خبر الواحد فهو دليل أيضاً، لأن العمل به يتضمن دفع ضرر مظنون فكان العمل به واجباً)[4].
فإذا كان العمل به واجباً لدفع ضرر مظنون، فما حكم العمل بالاحاديث الصحيحة المتواترة في كشفها للضرر اليقيني الذي يلحق خصوم فاطمة (عليها السلام) عند كشف ظلامتها للمسلمين .
ومن ثمّ: لا ينتفع خصوم فاطمة (عليها السلام) أو من ناصرهم على ظلمها من وجوب العمل بحديث «لا نورث» لكونه من الآحاد في مقابل الثوابت الشرعية فيما يترتب على ظلم بضعة النبوة (عليها السلام).
4- إنّ الآلوسي وأسلافه غفلوا عن أن هذا (العلم المظنون) يدفع بالقارئ أيضا الى العلم اليقيني في التعارض بين القرآن والسُنَّة النبوية - والعياذ بالله - فيما لو أعتقد بأن النبي(صلى الله عليه وآله ) يخالف الشريعة التي بعث بها ، فالله عزّ وجل يأمر المسلمين في المواريث في عدد من الآيات ، وذلك لحفظ حقوق الورثة وتعظيما للرحم والأبوة ما لم يقع بينهم الموانع الثلاثة المتفق عليها، (الكفر، والقتل، والرق) ثم يطعنون بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله) في تركه العمل بما فرضه الله في المواريث فيخبر أبي بكر وحده دون أحد من الناس وهو الأجنبي عنه فلا هو من أرحامه ولا من بني عمومته، فيخبره أن الأنبياء -والعياذ بالله- تخالف شرع الله تعالى، فتمنع أبنائها من الإرث ، فأي شريعة هذه، وأي أصول هذه التي يضرب بعضها بعضاً؟!!
ومِنْ ثمَّ: لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام) في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، كما لا يمكن دفع الهبة بينهم ، أو الوصية أو التولية أو النص بالخلافة؛ إلاّ أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي :
تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها في الثرى ، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية الشريفة ، فقال:
«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[5] إلى أن يقول:
«وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[6] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[7] . [8]
الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي : ج4 / ص220
[2] صحيح البخاري، باب: مرض النبي (صلى الله عليه وآله): ج5 / ص137
[3] الأموال ، ابن زنجويه(ت 251هـ) : ج1 ص301 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني(ت360هـ) : ج1 ص62 ؛ الأحاديث المختارة التي لم يخرجها البخاري ومسلم ، ضياء الدين المقدسي (ت643هـ) : ج1 / ص90
[4] المحصول في الأصول، الفصل الرابع، للفخر الرازي: ج3 ص89.
[5] الكافي ، الكليني : ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد :ص283 ؛ نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[6] نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة رقم: 202
[7] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[8] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 222 / 224 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .