سياسية التصرف في موارد الدولة المالية في نهج البلاغة 8- سياسة الإمام علي (عليه السلام) بين المثال والواقع

مقالات وبحوث

سياسية التصرف في موارد الدولة المالية في نهج البلاغة 8- سياسة الإمام علي (عليه السلام) بين المثال والواقع

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-11-2023

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
نعني بالعمال النجاح والفشل في عالم السياسة امران نسبيان، فقد يكون النجاح اخفاقاً من وجهة نظر معينة، وقد يكون العكس من وجهة نظر أخرى، ويرجع ذلك إلى مفهوم السياسة عند كلا وجهتي النظر، فالذي يرى ان السياسة تسلط ومكر واحتيال ودهاء، لا يقيم للأخلاق الفاضلة ولا للعدل أي وزن، باعتقاده أن أية سياسة لا تتفق مع مصلحته ومصلحة فئة معينة من الأمة محكوم عليها بالفشل، وجهة النظر تلك عادة ما تأخذ من فشل السياسة الأخلاقية على صعيد الواقع في كثير من الأحيان مثالاً.
أما أولئك الذين ينظرون إلى السياسة نظرة أخلاقية وينزهون أساليبها عن كل التواء، فإنهم لا يعتبرون إخفاق السياسي المثالي في تطبيق سياسته المثالية اخفاقاً للمثالية. والمتأمل في سياسة علي عليه السلام سيجد انها من النوع المثالي الذي لا يرى في التسلط أو شهوة الحكم غاية يركب إليها أية وسيلة، فقوله «لا يقيم أمر الله سبحانه، الا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع»[1] نابع من فكره الذي يؤمن به ويتبناه، ويسعى إلى تحقيقه على صعيد الواقع ويرجع ذلك ـ في اعتقادنا ـ إلى الانسجام التام في شخصيته بين الداخل والخارج، ولقد بذل كل ما في وسعه لخلق مثل ذلك الانسجام في أصحابه المقربين اولاً ومن ثم في رعيته عامة، ولكن الحظ لم يحالفه، لا لعيب في أساليب التوصيل عنده ولكن العيب في اختلاف نفوس المسلمين في عصره، وقد شعر هو ـ ذاته ـ بذلك التغيير إلا انه لم يقبل لنفسه أن تتلون وفق مقتضيات الظروف، لارتكازه في سياسته على دعائم راسخة ومتينة، يقول لأصحابه «اني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني لا أرى أصلاحكم بإفساد نفسي»[2]، لأن الاقتناع الذاتي بأساليب الاصلاح ـ في فكر علي عليه السلام ـ يختلف عما يريده أصحابه لكونهم يتصورون ان الاصلاح فيما يرغبون فيه.
لقد أراد لأولئك الأصحاب أن يكونوا بالنسبة إليه مثل أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله  في اخلاصهم وتفانيهم للإسلام، دونما مقابل أو اجر، لكنه لم يستطع ان يحقق ذلك المجتمع، لأن الرجال الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وآله كانوا ذوي نفوس مختلفة عن الرجال الذين كانوا حوله عليه السلام، لذلك راح علي عليه السلام شهيداً ضحية سياسته المثالية، ولكنه لم يخفق ـ كما نعتقد ـ في تخليد مبادئه من خلال التزامه السياسي الثابت في مجتمع مضطرب لأن «الالتزام بروح المبادئ التي ينطلق منها الحاكم، وتجسيدها على الصعيد العملي، وعدم التلاعب بمضمونها، هو النجاح في نظر الأخلاق ومقياسها وان خسر الإنسان جولة أو أكثر في سبيل ذلك»[3].)[4].

الهوامش:
[1] حكم 109، ويضارع ـ المضارعة المشابهة ويضارع يتشبه في عمله بالمبطلين.
[2] خطب 68، وأودكم: اعوجاجكم.
[3] أحمد الوائلي: علي بن أبي طالب عليه السلام ـ نظرة عصرية حديثة ص 105.
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 357-358.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2843 Seconds