الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها هوان الدنيا

مقالات وبحوث

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها هوان الدنيا

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-01-2024

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
أَمِينُ وَحْيِه، وخَاتَمُ رُسُلِه، وبَشِيرُ رَحْمَتِه، ونَذِيرُ نِقْمَتِه – إلى أن يقول عليه أفضل الصلاة والسلام في هوان الدنيا - أَلَا وإِنَّ هَذِه الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وتَرْغَبُونَ فِيهَا، وأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ولَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَه، ولَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْه.
 أَلَا وإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ ولَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا؛ وهِيَ وإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا.
فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وأَطْمَاعَهَا([1]) لِتَخْوِيفِهَا، وسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا، ولَا يَخِنَّنَّ([2]) أَحَدُكُمْ خَنِينَ الأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْه مِنْهَا، واسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّه والْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِه، أَلَا وإِنَّه لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ، أَلَا وإِنَّه لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ، حَافَظْتُمْ عَلَيْه مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ، أَخَذَ اللَّه بِقُلُوبِنَا وقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ، وأَلْهَمَنَا وإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ([3])!

شرح الألفاظ الغريبة:
الخَنين: - بالخاء المعجمة – ضرب من البكاء يردّد به الصوت في الأنف؛ زُوي: أي قبض([4]).

الشرح:
لقد أخذ الإمام عليه السلام في التنفير عن الدنيا بأُمور:
الأول: التنفير عن تمنّيها والرغبة فيها، وعن الغضب لفوتها والرضى بحصولها بكونها ليست الدار والمنزل الذي خُلقوا له ودُعُوا إليه، واستلزم ذلك التنفير التنبيه على ما ورائها والعمل له.
الثاني: نفّر عنها بفنائها عنهم وفنائهم عنها.
الثالث: بأنّه لا فائدة فيها فإنها وإن كانت تغر وتخدع بما فيها مّما يعتقد خيراً وكمالاً، فإن فيها ما يقابل ذلك وهو التحذير بما فيها من الآفات والتغيرات المتعددة شراً فينبغي أن يتركوا خيرها القليل لشرها الكثير وإطماعها لتخويفها، ويسابقوا إلى الخير الخالص والدار التي دعوا إليها وخلقوا لأجلها، ويتصرفوا بقلوبهم عنها: أي يزهدوا الزهد الحقيقي فيها فإن الزهد الظاهري مع الحنين إلى ما زوي منها عن أحدكم غير منتفع وبه خص حنين الأمة لأن الحنين أكثر ما يسمع من الأمة لأن العادة أن تضرب وتؤذي فيكثر حنينها. وروي خنين – بالخاء المعجمة – والخنين كالبكاء في الأنف وإذ أمر بالزهد الحقيقي أمر بالصبر على طاعة الله وعبادته والمحافظة على أوامر كتابه ونواهيه إذ بالزهد يكون حذف الموانع الداخلة والخارجة، وبالطاعة والعبادة يكون تطويع النفس الأمارة بالسوء للنفس المطمئنة، وهما جزاء الرياضة والسلوك لسبيل الله، ورغب في الصبر على طاعة الله بأن فيه استتماماً لنعمة الله، وظاهر أن طاعة الله سبب عظيم لإفاضة نعمه الدنيوية والأخروية.
ثم أكد المر بالمحافظة على ما قام من الدين بأنّه لا مضرة في ترك شيء من الدنيا وتضييعها مع المحافظة على الدين لما في المحافظة على الدين من الخير الدائم التام الأخروي الذي لا نسبة لخير الدنيا إليه وبأنه لا منفعة في المحافظة على ما فيها: أي في الدنيا مع تضييع الدين وإهماله. وذلك أمر مفروغ عنه ومستغنى عن بيانه.
ثم ختم بالدعاء لهم ولنفسه بأخذ الله بقلوبهم إلى الحق: أي إلهامهم لطلبه وهدايتهم إليه وجذبهم إلى سلوك سبيله، ثم إلهامهم الصبر: أي على طاعته وعن معصيته. وبالله التوفيق([5]))([6]).

الهوامش:
([1]) في نهج البلاغة لصبحي صالح: وأَطْمَاعَهَا.
([2]) في نهج البلاغة للشيخ محمد عبده: ولا يخْنِنْ.
([3]) نهج البلاغة لصبحي صالح 248-249/ خطبة رقم 173، ونهج البلاغة للشيخ العطار: 329- 330/ خطبة رقم 173، شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 340/ خطبة رقم 172 ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 343.
([4]) شرح الألفاظ الغريبة: 643.
([5]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 343-344/ شرح الخطبة رقم 172.
(([6])) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 187-189.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2395 Seconds