بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
المبدأ العام في الأرض هو الملكية العامة، والى جانبه يوجد حقُّ الإحياء، وهذا الحقُّ يتّمتع بموجبه المُحيي الحَق الأول في الأرض من غيره، وتعدُّ ملكية الأرض من القضايا الاجتماعية المهمة التي قامت بدور مهم في التفكير البشري؛ لأهميتها بوصفها ظاهرة عاشت مع حياة الإنسان منذ الآف السنين. وقد ولدت هذه الظاهرة في تاريخ الإسلام، واعتماده في حياته عليها، إذ وجد الإنسان المزارع نفسه بحاجة الى الاستقرار في أرض خاصة مدة من الزمن؛ لما يتطلبه هذا الإنتاج من وقت. فكان من الطبيعي أن يرتبط بمساحة معينة من الأرض، ويمارس فيها عمله، ويقيم له فيها مأوى ومسكنا يسكنه قريبا من زرعه؛ ليكون قادرا على مراقبته والمحافظة عليه، وفي النهاية وجد الإنسان المزارع نفسه مشدودا الى مساحة من الأرض ومرتبطا بها روابط تنبع كلها أخيرا من عمله الذي انفقه على الأرض ([1]).
والأرض هي هبة الله تعالى ليست ملكاً أو حقاً لأيِّ فردٍ من الأفراد ؛ وإنَّما هي ملك الإمام ــ بوصف المنصب لا الشَّخص (يعني الدَّولة)، ولا تزول بموجب النظرية الاقتصادية للإسلام عن الأرض ـ ملكية الإمام لها ـ ولا تُصْبِح ملكاً لفردٍ بالعنف والاستيلاء وحتى الإحياء، فالإحياء يعد مصدرا من مصادر حق الفرد في الأرض، فإن برز شخص بصورة مشروعة الى إحياء مساحة منها أنفق فيها جهده، من الظلم أن يُسَاوى في الحقوق بينه وبين سائر الأفراد الذين لم يمنحوا تلك الأرض شيئاً من جهودهم ؛ بل وجب وصفه أولى من غيره بالأرض والانتفاع بها، فالإسلام يمنح العامل في الأرض حقا يجعله من غيره، ويسمح من الناحية النظرية للإمام (عليه السلام) بفرض الضَريبة أو الطسق ([2])* عليها ؛ لتساهم الإنسانية كلهَّا في الإفادة من الأرض عن طريق الإنتفاع به.
وشأن الأرض وملكية الإنسان لها جاء في الحديث: «إنَّ الأرض لله تعالى جعلها وقفاً على عباده، فمن عطَّل أرضا ثلاثَ سنينٍ متوالية لغير ما علة أخِذَت من يدِّه، ودُفِعَت إلى غيره»([3]).
فالمفاهيم الإسلامية تقوم بدور الإشعاع على النصوص التشريعية العامة، أو بدور تموين الدولة بنوعية التشريعات الاقتصادية التي يجب أن تَملأ منطقة الفراغ، أما الملكية العامة التي تخص المسلمين لا يمكن أن تعطى إلاَّ برضاهم ؛ لذا نجد الإمام (عليه السلام) يقول لأناس قدموا من البحرين: « الأرض فيء للمسلمين ما خرج منها فهو بينهم سواء، ولوا رضوا كلُّهم اعطيتكموه، ولكن لا يحل لي أن اعطيكم ما لا املك»([4]))(([5])).
الهوامش:
([1]) ظ: اقتصادنا: 464.
([2]) ظ: المصدر نفسه. * والطسق: مكيال معروف، ما يوضع من الخراج المقرر على الارض أو الجربان.
([3]) ظ: وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة: 17 / 345: الحديث: 32274.
([4]) ظ: في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي: محسن خليل: 250.
([5])لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 214-216.