بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
تكرر هذا اللفظ في كلام الامام (عليه السلام) في أربعة وعشرين موضعا من النَّهْج:
ليدل على معنى حقيقي، فجاء الأدَيم مفردا مُعَرَّفا بـ (ال) في ثلاثة مواضع من النَّهْج منها قوله: «كَأَنَّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الاْدَيمِ الْعُكَاظِيِّ، تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ، وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلاَزِلِ»([1]).
وأديم عكاظي: منسوب الى الكوفة؛ لكثرة ما كان يُباع منه بها، وخطابه لشاهد حال الكوفة و(بك) هو خبر كأنً و(تمدين، تعركين، تركبين) في موضع النصب من الحال، وتقدير الخطاب (كأني حاضر بك، ومشاهد لحالك المستقبلة حال تجاذب أيدي الظالمين لأهلك بأنواع الظلم وهو المُكَّنى عنه بمَدِّها. وشبَّه ذلك بمدِّ الأديم، ووجه الشَبَه شدة ما يقع بهم من الظلم والبلاء، كما أنَّ الأديم مستحكم الدباغ يكون شديد المُدّ.([2])
وقال في فتنة بني أمية أيضاً: «نَحْنُ أهل الْبِيْتِ مِنْهَا بمنجاة، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الاْدِيمِ» ([3])، وهنا استعار الإمام (عليه السلام) لفظ العَرَك؛ لتقليب الفتن ورميهم وتذليلهم بها؛ كما يذلل ويلين الأديم، وإستعار لفظ الدَوْس؛ لإهانتهم لهم وشدة إمتهانهم إياهم باليلاء وشبَّه ذلك بدَوس الحَصيد من حنطةٍ وغيرها وهو ظاهر ([4]).
و«أديمُ كُـلِّ شيء: ظاهر جلده، وأدمَة الأرض: وجهها، وقيل: سمي آدم ـ عليه السلام ـ لأنه خُلِق من أدَمة الأرض، وقيل: بل من أدَمةٍ جعلت فيه. والإدام والأُدْمُ: ما يؤتدم به مع الخبز، وأدَمت الخبز أدْماً ً: جعلت فيه الأُدُم والسَّمن واللَّحمُ واللّبنُ كلُّه أُدْمٌ»([5]).
فالهمزة والدال والميم أصل واحد، وهو الموافقة والملاءمة، فإن قال قائل: فعل أي شيء تحمل الأدمة وهي باطنُ الجلد؟ قيل له: الأدمة أحسن ملاءمة للحم من البشرة، ولذلك سُمي آدم عليه السلام؛ لأنَّه أخذ من أدمة الأرض. ويقال هي الطبقة الرَابعة. والعربُ تقول مُؤْدم مبشَرٌ، أي قد جمع لين الأدمة وخشونة البشرة. فأما اللون الاّدم فلأنه الأغلب على بني اّدم. وناس تقول: أديم الأرض وأدَمَتُها وجهها ([6]). )([7]).
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة: خ 47، 47.
([2]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 2 / 125.
([3]) نهج البلاغة: خ 108، 110.
([4]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 3 / 44.
([5]) العين (مادة ادم): 8 / 88.
([6]) ظ: مقاييس اللغة: 1 / 72.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 220-221.