بقلم: الدكتور محمد سعدون عبيد العكيلي- الجامعة المستنصرية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أمّا بعد: روى الكوفي في أحداث معركة بدر، ومنها: كيفية وقوع المنازلة في المعركة، ففي رواية طويلة يرويها ابن أبي شيبة الكوفي(1) يبين فيها كيفية وقوع المنازلة في بدر وبعض تفاصيلها فيقول:...عن حارثة بن مضرب عن علي قال: لما قدمنا المدينة فأصبنا من ثمارها اجتويناها وأصابنا وعك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتخبر عن بدر، قال: فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها فوجدنا فيها رجلين منهم: رجل من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت إليها، وأما المولى فأخذناه فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم، فجعل المسلمون إذا قال ذاك ضربوه حتى انتهوا به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: (كم القوم)؟ فقال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم، فجهد النبي (صلى الله عليه وآله) على أن يخبرهم كم هم، فأبى، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأله: كم ينحرون؟ فقال: عشرا كل يوم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (القوم ألف، كل جزور لمائة، وتبعها)، ثم انه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجرة والجحف نستظل تحتها من المطر، قال: وبات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة إذ يدعو ربه، فلما طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله، فجاء الناس من تحت الشجر والجحف، فصلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحرض على القتال ثم قال: (إن جمع قريش عند هذه الضلعة الحمراء من الجبل)، فلما أن دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل أحمر يسير في القوم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا علي! ناد لي حمزة) وكان أقربهم إلى المشركين من صاحب الجمل الأحمر وما يقول لهم، ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن يك في القوم أحد فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر)، فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم! إني أرى قوما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير يا قوم! اعصبوا اللوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وقدم علمتم أني لست بأجبنكم، فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا، لو غيرك؟ قال هذا أعضضته، لقد ملئت رئتك وجوفك رعبا، فقال عتبة: إياي تعير يا مصفر أسته، ستعلم اليوم أينا أجبن، قال: فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية فقالوا: من يبارز، فخرج فتية من الأنصار ستة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء ولكن يبارزنا من بني عمنا من بني عبد المطلب، قال: فقال رسول الله: (قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث)، فقتل الله عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة بن الحارث فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، قال: فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس أسيرا، فقال العباس: إن هذا والله ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال له: (اسكت لقد أيدك الله بملك كريم)، قال: علي: فأسر من بني عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث(2).
ويتفق البيهقي(3) (... عبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا فذكروا قصة بدر وفيها ثم خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فدعوا إلى البراز فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلاثة فقالوا ممن أنتم؟ قالوا رهط من الأنصار قالوا ما بنا إليكم حاجة، ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا اكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة، فلما قاموا ودنوا منهم قالوا ممن أنتم؟ قال حمزة انا حمزة بن عبد المطلب وقال علي انا علي بن أبي طالب وقال عبيدة انا عبيدة بن الحارث، فقالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة عتبة فاختلفا ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وبارز حمزة شيبة فقتله مكانه وبارز علي الوليد فقتله مكانه، ثم كرا على عتبة فذفا عليه واحتملا صاحبهما فحازوه (ولأهمية معركة بدر الكبرى ذكرها القرآن الكريم في عدة مواطن فمن أبرزها حين يذكرهم الباري الجليل بالانتصارات الكبيرة قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 42] وقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ الله سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال 43]، وأيضاً، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران، آية: 123 – 127].
يبدو لنا ويظهر من خلال التمعن بنصوص هذه الآيات الكريمات الحالة التي كان عليها المسلمون من حيث العدة والعدد والجاهزية، كذلك يتضح لنا الدور الغيبي والإمداد الرباني لجيش المسلمين مما شجع على نصرهم، كذلك الدور القيادي لشخص النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأيضاً ثبات المسلمين وطاعتهم له، جميع تلك العوامل ساعدت على النصر والغنيمة.
الهوامش:
1- المصنف، ج8، ص472- ص473.
2- المصنف، ج8، ص473.
3- السنن الكبرى، د- ط، دار الفكر، (د- م، د- ت)، ج9، ص131، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق: عبد المعطي قلعچي، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1405هـ)، ج3، ص64؛ الطبري، ذخائر العقبى، ص174؛ ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1415هـ)، ج4، ص353.