بقلم: الدكتورة سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
ورد هذا اللفظ في كلام الامام علي (عليه السلام) أربع عشرة مرة، ودل على:
السقي المجازي: فلم يرد حاملا للمعنى الحقيقي، فوردت صيغة (السـَـقـًاء) على زنة (فَعَّال) مثل: كِسَاء ما يوضع فيه الماء واللبن من جلد الغنم ليخرج زبدة، في قوله (عليه السلام) في بيان خلق العالم: « ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ»[1] تشبيه أشار فيه الى شدة التحريك، وبيان لقدرة الله فهو قادر على تحريك الرياح وتصفيقها مع الماء.
وجاء فعل الأمر دالاً على طلب الدعاء: « اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ»[2]. والغَيثُ هو المَطرُ النافعُ، وقد اختار الامام لفظ (الغيث).
فـ» السين والقاف والحرف المعتل أصل واحد، وهو إشراب الشيء الماء وما اشبهه. تقول: سقيته أسقيه سَقيا، وأسْقيته، إذا جعلت له سِقيا. والسًقْي: المصدر. وكم سقِي أرضك، أي حظٌها من الشرب»[3].
ويقال في الدعاء: سَقْياً لَهُ ورَعْياً، وسَقَّاه ورَعَّاه، وسَقَّيْتُ فُلاناً وأسْقَيْتُهُ، إذا قلت له: سَقَاك الله[4].
السًقْى والسٌقيا أن يعطيه ما يشرب، والإسْقاء أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء فالاسقاء أبلغ من السًقي لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يُسْقى منه ويشْرب، ومنه قوله تعالى: { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[5].
ويقال للنصيب من السًقْى: سَقْى ٌ، وللأرض التي تسقى سِقىٌ لكونهما مفعولين كالنقض، والاستسقاء طلب السًقي أو الإسقاء [6]، ويقال: تساقوا كأس الموت، وساقيته اياها من المجاز، كقولك مشرب الدم حمرة[7])([8]).
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 1، 8.
[2] خ 143، 142.
[3] مقاييس اللغة: 3 / 85.
[4] ظ: لسان العرب (مادة سقى): 3 / 2042.
[5] الانسان / 21.
[6] ظ: المفردات في غريب القران: 1 / 311.
[7] ظ: أساس البلاغة: 2 / 464.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 259-264.