الإدارة والقيادة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

الإدارة والقيادة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

11K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-03-2017

الإدارة والقيادة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه الحبيب المصطفى محمد وعلى آله وسلم

يمتاز الفكر الإداري عند الإمام علي(عليه السلام) بمتانته وتماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر متميزاً بخصائص قد لا يظفر بها أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني؛ لأنَّه ينظر إلى الإدارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو الإنسان وليس الآلة، كما أنّ نظرة الإمام (عليه السلام) إلى المؤسسة  الإدارية على أنّها مجتمعِ مصغّر تتضامن فيه جميع المقومات الاجتماعية، وتوصف نظرته إلى الادارة على أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن الفوضى، لهذا الجهاز هدف سامٍ، فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة , هي إذاً- الإدارة- كيانٌ اجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف كبيرة في الحياة. قد لخصها الإمام في مواقف معينة، - سنجتهد لبيانها في سلسلة من المقالات- ومن أهم تلك الأهداف مبدأ الاعتقاد والعبودية لله سبحانه وتعالى.

 فماهي مدخلية العبودية لله في موضوع الإدارة.

يريد الإمام (عليه السلام) أن يسلط الضوء على سلوكيات المدراء وانطباعاتهم وتصوراتهم وهم في موقع المسؤولية, فهناك انطباعات وسلوكيات تدفع الانسان نحو التسلط وحب الدنيا وحب الجاه. إذاً ماذا تكون خلفية من يحمل هذه السلوكيات والانطباعات فيمن يكون في موقع السلطة؟, لاشك إنّه حينما يصل إلى موقع المسؤولية سيتخذ مجموعة من الإجراءات القاسية والقرارات الظالمة ويسير نحو الانحراف في تضيع الأهداف وخدمة الناس , ويعتقد بأن من يعمل تحت أمرته هو عبد له, وليس تعامل رئيس مع مرؤوسين يستحقون الاهتمام والرعاية كما هو في فكر الإمام (عليه السلام) بينما هناك من ينظر إلى موقع المسؤولية على أنها محطة لهداية الناس وخدمتهم ومحطة يؤتمن فيها على مصالح الناس يضمن عن طريقها حقوق الاخرين.

فالجانب السلوكي والمعتقد له أثر كبير في مسار أداء المدراء على الاصعدة كافة, إذ يمكن أن يلعب المدير دورا بارزا وسلوكا مغايرا لمعتقداته, لكن على المستوى البعيد لا يستطيع المدير أن يخفي تأثير معتقداته.

ولذلك يقدم الامام (عليه السلام) مفتاحا سحريا من مفاتيح النجاح والتفوق في الإدارة لمالك الاشتر(رضوان الله عليه) وهو العبودية لله تعالى والاعتقاد بالمبدأ.

وهذه القضية ليست قضية من القضايا الثانوية أو قضية لا صلة لها بموضوع الإدارة والقيادة. فالعبودية لله استحضار العلاقة بين الإنسان وربه، ولها الأثر الرئيس في مجمل السلوك الإداري في كافة المراتب, هذا الاستحضار يجعل الإنسان المسؤول والقيادي الذي يمارس العلاقة الانسانية على وفق النظرية الإسلامية, وليست العلاقة السلطوية مع غيره من العاملين تحت أمرته.

ومن الجدير بالذكر أنّ الدور الإداري والقيادي يجب أن تتوافر فيه حالة الحزم والقوة, وهذان الأمران يجب أن لا يتقاطعا مع علاقة الانسان وربه وعلاقة المسؤول في سلسلة المراتب ومع من يعمل تحت أمرته.

من هنا يشير الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر(رضوان الله عليه) واصفا حالة التعامل والانسجام في النظام الإداري على وفق الرؤية الإسلامية. ففي قوله:

(فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ ..... أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ )[1] الكلام عن معاقبة المسيء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين, بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين ولا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة. فيبين لنا الإمام (عليه السلام) في هذا النص علاقة الإنسان بربه، فهي ليست علاقة تجميد وإنّما علاقة انطلاق وتكامل, فأن استعمال كلمة (عبدالله) تعني أنّ الإنسان في ذروة الكمال لا يمتلك سوى الرحمة والقدرة  التي منحها الله له التي يتصل بها ويتزود منها ويتحرك عبرها, فيبقى الإنسان في هذا الظرف الوجودي والسعة الذاتية والقدرات الشخصية المحدودة ,فينبغي للإنسان المتصدي الارتباط بالمبدأ متوكلا عليه سبحانه وتعالى. قال (عليه السلام).

 (وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَالسَّلَامُ .)

نلاحظ إنّ الإمام (عليه السلام) في بداية كلامه وختامه كان يذكر الله تعالى ومرضاته والتأكيد على القضايا الخاصة في وضع الصور الظاهرية في الإطار العام للأهداف المرسومة عبر الفكر الابداعي للمسؤول صاحب الشعور والإدراك العميق للعبودية لله سبحانه وتعالى , من حيث صبره على القضايا الموقتة ولا يضيع نفسه باتباعه هواه، ولا يفقد توازنه وإن صار زعيما على الدنيا وما فيها, فإنّه يقف ليقول كلمة الفصل والارتباط لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فيتحصل من ذلك: إنّ الرؤية الإسلامية التي يحملها المسؤول (العبودية لله والإيمان بالمبدأ ) هما الركنان الأساسيان في تحقيق الأهداف الإدارية في مساراتها الصحيحة

الهوامش

[1] نهج البلاغة : رسالة 53

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2809 Seconds