الباحث: الشيخ سجاد عبد الحليم الربيعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين لاسيما سيدنا وشفيع ذنوبنا المصطفى محمد وآله وصحبه المنتجبين الميامين.
جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته للأشتر النخعي (رضوان الله عليه) (وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ )[1].
يتضح من عبارة الامام (عليه السلام) أن على المسؤول أن يمسك نفسه عما لا يحل أن يصدر منه، وإن كان حلالا على غيرك وجائز منه, كونك متصديا للمسؤولية يجب ان يحملك المزيد من الالتزام، وقد وردت في هذا الموضوع العديد من النصوص التي تمثل درسا عظيما أعطاه أمير المؤمنين (عليه السلام) في المنظومة القيادية
منها رسالة (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف والي البصرة يوبخه فيها لاستجابته لدعوة أحد الأعيان الأثرياء في البصرة لمأدبة طعام، وفي هذه الرسالة درس كبير للسالكين طريق الحق والإيمان ودرس مهم في الإدارة والقيادة، يقول فيها:
(أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ )[2].
يخاطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلماته المسؤولين ويحذرهم من أن يضعوا أنفسهم موضع الشبهات مع الأثرياء فيتحسس الفقراء من فقرهم ولو على مستوى تلبية الدعوة لتناول الطعام، فالإسلام ليس لديه مشكلة مع الغنى ولامع من يمتلك المال ولكن المشكلة مع من يطرد الفقراء ويقرب الأغنياء، فلا مانع من أن يستجيب المسؤول لمائدة طعام يجلس عليها الغني والفقير.
وهناك ملاحظة أخرى يطرحها الإمام (عليه السلام) حول الدعوة الى المأدبة متمثلة من وجود أموال مشتبه فيها (فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ)[3].
والملاحظة الأخرى أن الامام (عليه السلام) يؤكد على ان الولاة والمسؤولين في الحكومة الإسلامية يشكلون مبدأ القدوة (أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ)، والاقتداء هو التقليد والاتباع للمقتدى به، لذا عليهم أن يقفوا إلى جانب الناس وجمهور المستضعفين والمحرومين وأن لا يعتنوا أبدا بالطبقة المترفة الذين تزداد توقعاتهم وتقل معونتهم، والتجارب تؤكد على أن المحرومين المستضعفين هم أول المدافعين عن الدين والبلاد الإسلامية في مواقع الخطر والظروف الصعبة[4].
ثم يطلب الإمام (عليه السلام) من المتصدين الإعانة على إدارة الدولة وتسيير أمورها بالورع والتقوى، والابتعاد عن ارتكاب المحارم وتعني في الحقيقة حالة التقوى في حدودها العالية، وأن يكون المسؤول مجتهدا يعني يبذل الجهد الكبير في تحقيق العدالة وحماية المستضعفين والمحرومين, ويريد الامام (عليه السلام) أيضا من العاملين معه في حكومة الإعانة بعفة وسداد والعفة: بمعنى حفظ النفس في مقابل الشهوات والنوازع المختلفة, والسداد: يعني انتخاب الطريق الصحيح والمستقيم واجتناب الطرق المختلفة التي تقود الإنسان إلى المتاهة والضلالة.
هذا هو منهج الامام (عليه السلام) في تعامله مع المسؤولين والولاة في المنظومة القيادية في حفظ الإسلام وتقديم أفضل ما تجود به النفس في خدمة الناس والمجتمع.
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( عليه السلام ): 3 /83 .
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( عليه السلام ): 3 /70 .
[3] نهج البلاغة خطب الإمام علي ( عليه السلام ): 3 /71 .
[4] نفحات الولاية شرح نهج البلاغة: ناصر مكارم الشيرازي: 10 /141.