الباحث: علي عباس الربيعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فتعد غزوة خيبر واحدة من الغزوات العظيمة والمهمة في العهد النبوي، إذ عمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى هذه المدينة المحصنة التي يقطنها اليهود لفتحها، إذ كانت مركزا للمؤامرات والتحريض والمكائد على المسلمين.
وهناك أسباب أخرى دعت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى فتح خيبر والقضاء على هذا الجيب الخبيث الذي كان فيه زعماء اليهود الذين هم من أشد الناس عداوة للنبي (صلى الله عليه وآله) وعلى رأسهم حيي بن أخطب وكنانة بن الربيع، وسلَّام بن مِشكم) وغيرهم، إذ كانوا أرص أعداء الإسلام على هدم كيانهم وإبادة أتباعه وإزالتهم من الوجود([1]).
ولم يفلح المسلمون في أول الأمر من اقتحام حصون خيبر، لما لاقوه من مقاومة وسيطرة من اليهود وكذلك ضعف قادة الجيش الذين كانوا يجبنون الجيش ويخذلونهم، حتى انهزموا في أكثر من موضع، وقد غضب النبي (صلى الله عليه وآله) لذلك، إذ روي أنه في (يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون؟ لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبرا. فلما أصبح القوم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أين أخي، ادعوا لي عليا). فأتوه به، فإذا هو رمد يقاد من رمده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه.
ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حيي بن أخطب، فأعتقها النبي صلى الله عليه وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها)([2]).
وقوله (صلى الله عليه وآله) لأدفعنَّ الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فيه دلالات كثيرة، فهو يطابق ما جاء آية المحبة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)([3]) فقوله: يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، فهذا القول قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يُذكر أنها قيلت في شخص غيره، فقد قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خيبر، لَأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ([4]) (عليه السلام)، حين لم يستطع فتحها كلٌ من أبي بكر وعمر حتى رجعا خائبَينِ مخذولَينِ، فلما أخذها أمير المؤمنين (عليه السلام) فتحها الله على يده المباركة، وقد أنكر صاحب تفسير المنار أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) فيذكر: (( قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ وَعَدَ فِي خَيْبَرَ بِأَنْ يُعْطِيَ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ، ثُمَّ أَعْطَاهَا عَلِيًّا، وَلَيْسَ هَذَا بِدَلِيلٍ، وَلَفْظُ الْقَوْمِ لَا يَجْرِي عَلَى الْوَاحِدِ; لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْجَمَاعَةِ))([5])، ولا أدري أهو جاهل باللغة العربية أم يتجاهلها، أم أنه لا يعلم أن في القرآن الكريم من هذا القبيل الكثير، فقد أطلق لفظ الجماعة على المفرد في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)([6])، فقد أطلق لفظ الناس على شخص واحد وهو نُعَيْم بن مَسْعُود الأشْجَعيّ([7])، الذي قال للنبي (صلى الله عليه وآله) إنَّ الناس قد جمعوا لكم، وكذلك أطلق لفظ الذين وهو جمع على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو واحد.
أما فتح حصون خيبر فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما دنا من القموص وهو أحد حصون خيبر أقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة، فحمل عليهم الإمام علي (عليه السلام)، وخرج له مرحب وكان من كبار قادتهم فقتله أمير المؤمنين عليه السلام، ثم دنا من الباب، فثنى رجله، ثم نزل مغضبا إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه ، ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا.
قال ابن عمر : وما عجبنا من فتح الله خيبر على يدي علي ( عليه السلام ) ، ولكنا
عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعا، ولقد تكلف حمله أربعون رجلا فما أطاقوه، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فقال: والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكا)([8]).
وهذه ليست المرة الأولى التي يقاتل الملائكة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد سبقها في ذلك ما كان في بد، ولحقها ما كان في حنين، والقوة التي قلع بها الباب كانت قوة ملكوتية إذ روي عنه (عليه السلام): (قال في رسالته إلى سهل بن حنيف (رحمه الله): والله ما قلعت باب خيبر ورميت بها خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضية، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت، ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبال متى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط)([9]).
الهوامش:
[1] موسوعة غزوات الكبرى، غزوة خيبر، محمد أحمد باشميل: 6/ 36.
[2] كتاب سليم بن قيس: 409.
([3]) سورة المائدة: 54.
([4]) ينظر: جامع معمر بن راشد: 11/ 288، وينظر: فضائل الصحابة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241هـ)، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، ط1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1403هـ - 1983م: 2/ 593، وينظر: صحيح البخاري: 4/54، 5/ 18، 5/ 134، وينظر: صحيح مسلم: 4/ 1872.
([5])تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار(، محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (ت: 1354هـ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م: 6/ 360.
([6]) سورة آل عمران: 173.
([7]) ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان، أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (ت: 150هـ)، تحقيق: عبد الله محمود شحاته، ط1 ، دار إحياء التراث – بيروت، 1423هـ: 315، وينظر: جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط1، مؤسسة الرسالة، 1420هـ - 2000م: 4/ 191، وينظر: كتاب تفسير القرآن، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت: 319هـ)، تحقيق وتعليق: د. سعد بن محمد السعد، تقديم: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، دار المآثر - المدينة النبوية، 1423هـ - 2002م: 2/ 501.
[8] الأمالي، الصدوق: 604.
[9] الأمالي، الصدوق: 604- 605.