في فضل زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)
الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد.
جعل سبحانه أضرحة المعصومين (عليهم السلام) مزاراً تتبرك فيه العباد ومأوىً للسائل والمحروم، ففي هذه الأضرحة المشرفة يبتهل الناس إلى الله تعالى بالدعاء، وإن ملائكة السماء تتنزل على هذه الأضرحة وتتبرك بها كما تتبرك الناس، وإن الدعاء في تلك الأضرحة مقبول بلا شك لمن عرف قدر هؤلاء الحجج الأطهار، وبالخصوص سيد الوصيين (عليه السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين (عليه السلام) فلا تكن عن الخير نواما)[1].
فذكر علي (عليه السلام) عبادة وزيارته أفضل الأعمال وأحبها إلى الله وهذا ما لمسناه من خلال الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فعن الحسين بن محمد بن مالك، عن أخيه جعفر، قال: (كنت عند جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) وقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال ابن مارد لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار جدك أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ فقال: يا ابن مارد من زار جدي عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة، والله يا ابن مارد ما تطعم النار قدما تغيرت في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا كان أو راكبا، يا ابن مارد أكتب هذا الحديث بماء الذهب)[2].
فمن كنوز الرحمن زيارة المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) ولكن الإمام الصادق عليه السلام يضع لنا شروطا لقبول الزيارة ومنها معرفة الإمام (عليه السلام) حقَّ معرفته.
وقد يسأل سائل ماذا يعني الإمام الصادق بقوله (عارفاً بحقه) وقد ورد في رواية أن علي (عليه السلام). لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى والنبي (صلى الله عليه وآله)؟
نقول: لا يريد الإمام (عليه السلام) تلك المعرفة الخاصة بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإنما أراد بـ(عارفا بحقه) كمعرفته بأنه إمام مفترض الطاعة وإنه نفس النبي ووصيه وخليفته من بعده، وإن كل من غصب حقه ضال ومضل وإن طاعته طاعة الله، وإن سخطه سخط الله، ورضاه رضا الله ورسوله، وأنه صراط الله المستقيم.
وها ما يؤكده ما جاء عن الإمام الصّادق (عليه السلام) حيث قال: (.. مَن زار أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقّه أي وهو يعترف بإمامته وَوجوب طاعته وانّه الخليفة للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقّاً غير متجبّر ولامتكبّر، كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، وغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وبعث من الآمنين، وهوّن عليه الحساب، واستقبله الملائكة، فإذا انصرف إلى منزله فان مرض عادُوه، وإن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره)[3].
فهذه آثار بركة زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأما تارك زيارته فلها آثار سلبية ومن تلك الآثار إن الله سبحانه لا ينظر إليه وهذا دليل على عدم رضا الله بل هذا يدل على سخطه فنستجير بالله من سخط الله، ففي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من ترك زيارة أمير المؤمنين لم ينظر الله إليه، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون)[4].
فسبحانه وتعالى إذا صد عن عبد من عبيده بلا شك أن عاقبة أموره ستكون سيئة ما بعدها سيئة، أما الذي يزور أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدوام من المؤكد أنه بعين الله وتحت رعايته، فعن يونس بن أبي وهب القصري قال: (دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: بئس ما صنعت لولا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره الله تعالى مع الملائكة، ويزوره الأنبياء (عليهم السلام) ويزوره المؤمنون! قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك، قال: فاعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الله أفضل من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعماله فضلوا)[5].
وكيف لا يكون أفضل من الأئمة وهو نفس محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو العترة الطيبة الطاهرة، فعلي نال أعظم الأوسمة فهو حبيب رسول الله وزوج ابنته وأبا ولده (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وهو أديب المكرمين وقائد الغر المحجلين وسيد الخلق أجمعين بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ففضائله ومناقبه فاقت الحد حتى صار الأئمة يتحدثون بها ويتبركون بذكر علي (عليه وعليهم السلام).
وليس فقط الطيبين من الخلق يذكرون فضائله ومناقبه (عليه السلام) بل حتى عدوه صار يتحدث بفضله فأي مكرمة هذه وأي مكانة نالها سيد الوصيين.
فنسأل الله أن يرزقنا زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا وأن يحشرنا معه في الأخرة.
[1] - وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج14، ص380.
[2] - وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج14، ص377.
[3] - مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص905.
[4] - خصائص الأئمة، الشريف الرضي، ص40.
[5] - وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج14، ص376. (باب استحباب زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام).