أثر كلام أمير المؤمنين علیه السلام في الأدب العربي
لقد دأب الخطباء والمتكلمون العرب ومنذ القرن الأوّل وما تلاه إلي مطالعة خطب أمير المؤمنين (علیه السلام) واستعمال بعض مقاطعها ليحسّنوا كلامهم ويجملوه ويهذبوه من كلّ ما يضرّ ببلاغتهم واستعمالاتهم الخاطئة، وليكون ملكة فيما يتفوهون به أمام مخاطبيهم أو يكتبوه لقرائهم[١] ولو لاحظ الباحث ما كتب من خطب أو رسائل لأدباء عرب بل وشعراء بعد الإسلام لأدرك دون أدني شك أثر خطب الإمام علي (علیه السلام) علي ما أنشده الشعراء أو نشره الأدباء العرب في أبياتهم أو مدوناتهم[٢].
عبد الحميد بن يحيي العامري
كان عبد الحميد بن يحيي العامري (المقتول سنة ١٣٢هـ) كاتباً لمروان بن محمّد آخر الخلفاء المروانيين. وقد تحدّث البعض عن أنّ فنّ الكتابة بدأ مع هذا الرجل. وقد نقل عنه قوله: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت.[٣]
الجاحظ
أبو عثمان الجاحظ ويسمّي إمام الأدب العربي، عدّة المسعودي أفصح كتاب السلف. كتب الجاحظ مهمشاً علي عبارة أمير المؤمنين التي يقول فيها «قيمة كلّ امريء ما يحسن».[٤]
ما يلي: قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قيمة كل انسان ما يحسن فلو لم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية.[٥]
وقد نقل الجاحظ عدّة خطب للإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) في كتابه البيان والتبيان .[٦]
وقد اقتطف الجاحظ مائة كلمة من كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) قبل أن ينقلها السيد الرضي فيما عمد رشيد الوطواط وابن ميثم البحراني إلي شرح هذه الباقة التي جمعها الجاحظ وقد وصف الجاحظ هذه الكلمات قائلاً: إن كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب ولم يخصها من سائر حكمه[٧] وكان من تأليفات الجاحظ كتاب باسم «مائة من أمثال علي (علیه السلام)»[٨] والظاهر أن ما ذكر قد ورد في هذا الكتاب.
ابن نباتة
إبن نباتة عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل (م ٣٧٤ هـ) من أشهر الأدباء والخطباء المبرزين العرب. تسنّم منصب الخطابة في عهد سيف الدولة في مدينة حلب، يقول إبن نباته: حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.[٩]
أبو إسحاق الصابي
أورد زكي مبارك في كتابه «النثر الفني» فقرة من كلام أبو إسحاق الصابي (توفي عام ٣٨٠هـ) معلقاً عليها وذلك في معرض حديثه عن السياق المنهجي الذي كان يتبعه الصابي في تأليفه، قائلا: ... لو قارنا هذه العبارة مع ما اورده الشريف الرضي من كلام علي لرأينا أن الاثنين قد نهلا من منهل واحد.[١٠]
كلام ابن أبي الحديد
تحدّث ابن أبي الحديد كثيراً عن أمير المؤمنين علي (علیه السلام) وكان من جملة ما أورده ما يلي: فهو (علیه السلام) إمام الفصحاء، وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين. ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة.[١١]
--------------------------------------
[١] . شهيدي، مقدمة نهج البلاغة، ص: ز،ح.
[٢] . شهيدي، مقدمة نهج البلاغة، ص: ح. للمزيد راجع: مقالة نهج البلاغة و أثره على الأدب العربي ص ١١٩، محمد هادي الأميني، انتشارات نهج البلاغة.
[٣] . إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ١، ص ٢٤، مقدمة نهج البلاغة.
[٤] . وردت هذه العبارات علي ثلاثة أشكال:
١- ما مرّ في النصّ \\قيمة كل امريء ما يحسن.
٢-\\قيمة كلّ انسان ما يحسن\\ لكنّ هذا التغيير اللفظي لا يغيّر في المعني.
٣-بتغيير في كلمة \\ما يحسنه\\.... ومع ملاحظة القرائن المختلفة من حيث اللغة أو تفسير شرّاح كبار كإبن أبي الحديد أو ما ورد من روايات (راجع: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج٧، ص٣٨٠) ذكرت ما قبل هذه الكلمة أو بعدها يتضح لنا أن المقصود وهو كون قيمة الإنسان بما يعلمه بشكل دقيق وما يعمله بشكل حسن. وإن الرأي القائل بأن المقصود هو العلم الصرف ليس خاطئاً، لكن الخطأ أن نقول بأنها العمل الصرف.
[٥] . الجاحظ، البيان و التبيين، تصحيح عبدالسلام هارون، ج ١، ص ٨٣؛ نقلا عن: الشهيدي، مقدمة نهج البلاغة، ص: ح.
[٦] . الجاحظ، البيان والتبيين، (نسخة متوفرة في القرص المضغوط تحت عنوان مكتبة أهل البيت (ع)، النسخه الثانية)، ص ٢٤٠-٢٣٧، ٣١٢
[٧] . شرح إبن ميثم علي المائة كلمة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، المصحح: مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث، طهران: مطبعة جامعة طهران، ١٣٤٩ه.ش.، ص ٢. من نفس المجلد وانظر: الوطواط، رشيد، مطلوب كل طالب من كلام امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تصحيح: مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث، طهران: مطبعة جامعة طهران، ١٣٤٢ه.ش.، ص ٢.؟؟
[٨] . راجع: دانشنامه جهان اسلام،: «الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر»
[٩] . ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ١، ص ٢٤؛ شهيدي، مقدمة نهج البلاغة، ص ح
[١٠] . النثر الفني، ج ٢، ص ٢٩٦؛ نقلاً شهيدي، مقدمة نهج البلاغة، ص ح.
[١١] . ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ١، ص ح.