يعد ضرار بن ضمرة من خُلَّص أصحاب علي (عليه السلام) فصيح المقال طلق اللسان، وهذا ما ذكرته أكثر المصادر الإسلامية، وكما قال الشريف الرضي والذين شرحوا النهج من بعده : إنَّ ضرار بن ضمرة كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين و خاصته, وإنَّه قال لمعاوية في جملة أوصاف الإمام علي (عليه السلام) بما نصّه:
((عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة على معاوية ، فقال له : يا ضرار صف لي عليَّاً ، فقال : أو تعفني ، قال : لا أعفيك قالَها مراراً .
فقال ضرار : أما إذ لا بُد ، فكان والله بعيد المدَى ، شديد القوى ، يقول فَصلا، ويَحكم عَدلا ، يتفَجّرُ العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يَستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستَأنس باللّيل وظلمته .
كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة ، يُقَلِّب كَفّهُ ويُخاطِبُ نفسه ، يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جَشُب .
كان والله كأحدنا ، يُجيبنا إذا سأَلناه، ويبتدئنا إذا أتيناه ويَأتينا إذا دعَوناه ، ونحنُ والله مع قربه منَّا ودُنوّه الينا لا نكلِّمهُ هيبةً له ، ولا نبتديه لعظمه ، فإن تبسّم فعن مثل اللُؤلؤ المنظوم . يعظّم أهل الدين ، ويُحبّ المساكين ، لا يطمع القَويٌ في باطله ، ولا ييأَس الضعيف من عدله ، فأشَهَدُ بالله لقَد رأيته في بعض مواقفه ليلةً ، وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارَت نجومه ، وقد مثل قائماً في محرابه ، قابضاً على لحيته ، يتمَلمَلُ تَململُ السقيم ، ويَبكي بكاء الحزين ، وكأنِّي أسمعه وهو يقول : يا دنيا غرّي غيري ، أَبي تَعرّضْتِ أم إلَيَّ تَشَوّقْت ، هيهات هيهات قد أبَنَتُكِ ثلاثاً لا رجعَةَ لي فيك ، فعُمركِ قصير ، وعشيكِ حَقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووَحشة الطريق .
قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته فلم يملك رَدَّها وهو يُنَشفها بكمِّهِ ، وقد اختنق القوم بالبكاء))(1).
(1) نهج السعادة, ج3, ص199.
(المصدر: 1001 قصة من حياة الامام علي (عليه السلام), ص429, بتصرف.