الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته، محمد الذي اصطفاه من بين خليقته، وخصنا بمحبة أمير المؤمنين عليّ والائمة المعصومين من ذريته، صلى الله عليهم أجمعين، وسلم تسليما كثيرا. وبعد:
تعد الغيبة الكبرى من الحوادث العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية، إذ وقعت بعد وفاة أبي الحسن علي بن محمد السيمري سنة 328 أو سنة 329 هـ، وهو أحد السفراء الاربعة للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومدة هذه الغيبة إلى وقت ظهوره صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، ولا يعلم زمان ظهوره إلا الله تبارك وتعالى[1].
ففي عصر الغيبة الكبرى كان الرجوع في أخذ الأحكام الشرعية إلى مراجع التقليد الجامعين للشرائط، كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحجة أرواحنا له الفداء لما ورد عما كتبه إسحاق بن يعقوب إلى المهديّ (عليه السّلام) يسأله عن الحوادث الواقعة في زمن الغيبة، فورد التّوقيع بخطَّه (عليه السّلام): (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللَّه)[2].
حيث انحصرت معرفة الشيعة للحكم الشرعي في الحوادث والوقائع بفتوى فقهائهم بأمر الحجة (عليه السلام) لهم بذلك على يد السفير الرابع فرجعوا لهم واحتاج الفقهاء إلى إعمال اجتهادهم في معرفة أحكام المسائل التي تعرض عليهم بردها لأصولها الموجودة في الكتاب والسنة وما تفتضيه القواعد الشرعية والموازين العقلية وتشخيص ما قام إجماع الشيعة عليه إلى غير ذلك ما يقتضيه الاجتهاد ويتطلبه الاستنباط، فأول من انبرى لهذا العمل هو الحسن بن علي العماني شيخ فقهاء الشيعة، الذي استجازه صاحب كامل الزيارة سنة 329 هـ وقد صنف كتاب المتمسك بحبل آل الرسول وعاصر الكليني وعلي بن بابويه[3].
والشيعة أمروا في أمورهم الشرعية بعد هذه الفترة بالرجوع إلى الفقهاء ورواة الأحاديث، إذ لا يخفى عظيم هذه المسؤولية في زمن الغيبة الكبرى على العلماء الجامعين بشرائط الاحكام الشرعية كافة، كونهم حجة الله بعد الإمام (عجل الله فرجه) فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (فقيه واحد، ينقذ يتيماً من ايتامنا، المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف ألف عابد وألف ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا همه نفسه وذات عباد الله وإمائه ينقذهم من إبليس ومردته)[4].
وقال علي بن محمد (عليه السلام): (لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إليه والدالين عليه)، إلى أن قال: (لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل)[5]
فالغيبة الكبرى، بدأت- بعد تاريخ وفاة السمري - وأمتدت الى عصرنا الحالي، وسيبقى دور العلماء في بيان الاحكام الشرعية في هذه المدة إلى أن يفرج الله لهذه الامة المظلومة بأخذ ظلامتها على يد الامام القائم (عجل الله فرجه)، الذي يملأ الأرض قسطً وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] - ينظر: أحكام الشريعة، الميرزا عبد الرسول الإحقاقي الحائري: 2/44.
[2] - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (ع)، الحر العاملي: 1/33.
[3] - ينظر: تطوير علم الفقه، الشيخ علي كاشف الغطاء: 1/57.
[4] - النور الساطع في الفقه النافع، الشيخ علي كاشف الغطاء: 1/ 361.
[5] - عوائد الأيام، المحقق النراقي: 533.