محمد حمزة الخفاجي
شاءت قدرة الله تعالى أن تظهر بعض الأحداث والمواقف في حكومة أبي بكر وعمر وعثمان أظهر الله (عز وجل) فيها أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الخلافة، فهو باب علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكما هو منصوص عليه أنَّ الإمام يجب أن يكون جامعًا للأحكام وملمًا بجميع الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلَّا كيف يكون خليفة الله وهو لا يعلم ماذا يقول وكيف يحكم.
ففي حكومة أبي بكر حدثت أمور كثيرة عجز عن حلها، فلجأ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) مستنجدًا به في خلاصه منها، فكان ذلك اعتراف منه على أنَّ الإمام علي (عليه السلام) أولى منه في هذا الأمر، ومن تلك القضايا التي هرع إليها أبو بكر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما نُقل في رواية فحواها: (أنَّ رجلاً رُفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر فأراد أن يقيم عليه الحد، فقال: إنِّي شربتها ولا علم لي بتحريمها؛ لأنِّي نشأت بين قوم يستحلونها، ولم أعلم بتحريمها حتَّى الآن، فارتج على أبي بكر الأمر بالحكم عليه، فأُشير عليه بسؤال أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك، فأرسل إليه من سأله. فقال (عليه السلام): مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار يناشدانهم اللّه هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم عليه الحد، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخل سبيله، ففعل ذلك أبو بكر، فلم يشهد عليه أحد فاستتابه وخلَّى سبيله)[1].
وليس هذا أول موقف ولا آخر موقف استعان به أبو بكر بالوصي؛ بل هناك مواقف كثيرة، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: (شَرِبَ رَجُلٌ الْخَمْرَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَرُفِعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَه: أشَرِبْتَ خَمْراً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ولِمَ وهِيَ مُحَرَّمَةٌ؟ قَالَ: فَقَالَ لَه الرَّجُلُ: إِنِّي أَسْلَمْتُ وحَسُنَ إِسْلَامِي ومَنْزِلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ويَسْتَحِلُّونَهَا، ولَوْ عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ اجْتَنَبْتُهَا، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عُمَرَ؛ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ عُمَرُ: مُعْضِلَةٌ ولَيْسَ لَهَا إِلَّا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ ادْعُ لَنَا عَلِيّاً، فَقَالَ عُمَرُ يُؤْتَى الْحَكَمُ فِي بَيْتِه، فَقَامَا والرَّجُلُ مَعَهُمَا ومَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ النَّاسِ حَتَّى أَتَوْا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَخْبَرَاه بِقِصَّةِ الرَّجُلِ، وقَصَّ الرَّجُلُ قِصَّتَه، قَالَ: فَقَالَ: ابْعَثُوا مَعَه مَنْ يَدُورُ بِه عَلَى مَجَالِسِ الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، مَنْ كَانَ تَلَا عَلَيْه آيَةَ التَّحْرِيمِ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْه، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِه فَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْه أَحَدٌ بِأَنَّه قَرَأَ عَلَيْه آيَةَ التَّحْرِيمِ، فَخَلَّى عَنْه وقَالَ لَه: إِنْ شَرِبْتَ بَعْدَهَا أَقَمْنَا عَلَيْكَ الْحَدَّ)[2].
فالإمام (عليه السلام) دقيقاً في أحكامه وكان مسدداً من الله في حكمه، بعكس من حكم قبله، إذ كانوا يتسرعون في الأحكام، وكم من موقف حكموا به باطلاً ولولا أمير المؤمنين (عليه السلام) لضلوا في أحكامهم وأضلوا من تلك الأحكام، ولذا كان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر، وهذه الشواهد كافية على أنَّ علي أحقُّ منهم في هذا الأمر.
الهوامش:
[1] - عجائب أحكام أمير المؤمنين (ع)، السيد محسن الأمين: 48.
[2] - الكافي: 7 / 216.