معركة أُحُّد بين استشهاد الحمزة وثبات عَلِيّ (عليه السَّلَام).

مقالات وبحوث

معركة أُحُّد بين استشهاد الحمزة وثبات عَلِيّ (عليه السَّلَام).

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-06-2019

البَاحِث: سَلَام مَكِّيّ خضيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على مبغضيهم وأعدائهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ من الأحداث والمعارك التي حدثت في بداية الدَّعوة الإسلاميَّة من أجل نشر الدِّين الإسلامي وتثبيت قواعده الأساسيَّة، هي: (معركة أُحّد)، وقد حدثت هذه المعركة في سنة: (3هـ)[1]، في مكَّة المكرَّمة.
وهذه المعركة دارت بين جيش المسلمين بقيادة النَّبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، ومشاركة بارزة لأمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وقد أعطاه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الراية يومئذ[2]، وكذلك لعمّه أسد الله الحمزة بن عبد المُطَّلِب (رضوان الله تعالى عليه)، وبين جيش المشركين الذين لا يُريدون لراية الإسلام العلو والشّموخ، بقيادة أبي سفيان، وكان لواء المشركين بيد أبي سعيد بن طلحة[3]، إذ استنفر أبو سفيان جميع قريش وأحلافها ومن أمكنه أن يستنفره من قبائل العرب، وأقبل إلى المدينة طالبًا بثأر يوم بدر في جمع عظيم، وانتهى ذلك إلى رسول الله (صلوات الله عليه وآله)، وكان من رأيه المقام بالمدينة وأن يحاربهم منها، فوافقه على ذلك بعض أهلها وأبى أكثرهم ذلك.
فتهيأ الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، لملاقاة جيش المشركين، فلما رأوا النَّاس ذلك منه قالوا: يا رسول الله، إنا نخاف إن أسخطناك بخلافنا عليك! فارجع، وافعل ما رأيته، فقال (صلَّى الله عليه وآله): (إنَّ النَّبيّ إذا لبس لامته وأخذ سلاحه لم يكن له أن يرجع حتى يقاتل)[4]، ومضى (صلَّى الله عليه وآله) نحو أحد، وخرج معه من خرج من المسلمين وانصرف عنه الذين كانوا رأوا معه المقام بالمدينة.
دور الإمام عَلِيّ والحمزة (عليهما السَّلَام) في معركة أُحّد:
عندما بلغ النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أُحّدًا عبَّأ النَّاس على مراتبهم، واستقبل المشركين وتقدّم الإمام عَلِيّ بن أبي طالب وعمّه الحمزة (صلوات الله عليهما) للقتال وكان منهما في ذلك اليوم ما لم يرَ من أحد قبلهما، وأمعنا في قتل المشركين[5].
 فكان دور الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) دورًا بارزًا، فهو الثَّابت الوحيد في تلك المعركة، وكان عمره (عليه السَّلَام) أقلّ من تسع وعشرين سنة، وفيها قُتل الحمزة (رضوان الله عليه)، قال مصنفي السير: وقد فرّ المسلمون إلا ثلاثة أوّلهم عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وقيل: بل فرّوا جميعاً سوى عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وإنّ القتلى من المشركين اثنان وعشرون رجلًا، وقتل عَلِيّ (عليه السَّلَام) منهم تسعة، وذكر أهل السّير قتلى أُحد من المشركين، وذكروا أنّ جمهورهم قتلى عَلِيّ بن أبي (عليه السَّلَام) وهم اثنا عشر[6]، وروى العامّة والخاصّة، أنّ في هذه الواقعة سُمع النداء: (لا سيف إِلَّا ذو الفقار ولا فتى إلَّا عَلِيّ)[7].
وأمَّا الحمزة (رضوان الله عليه) فقد أبلى بلاءً حسنًا، فجاهد وقتل من المشركين، ولم يثبت في وجهه أحد منهم، فيروى: أنَّ من الذين قتلهم الحمزة (رضوان الله عليه): (سباع بن عبد العزّى)، الذي حمل عليه الحمزة حملة أسد، فضربه بالسَّيف فكأنما أخطى رأسه ووقف عليه وقد خرّ ميتًا[8].
 فالاثنان (عليهما السَّلَام) قاتلا قتال الأبطال ضد المشركين حتَّى هزموهم وانتصر جيش المسلمين على جيش المشركين في بادئ الأمر، ولمَّا رأى هزيمتهم من كان في المراتب التي رتبها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بين يديه انكشفوا عنه وذهبوا يطلبون الغنائم[9]، ولكن كانت النتيجة لم تتوقَّع أبدًا، وهي ما سنشير إليها بإيجاز لاحقًا.
استشهاد الحمزة بن عبد المطَّلب (رضوان الله عليه):
ففي هذه المعركة كان النصر لجيش المسلمين على الأعداء وهزموهم شرّ هزيمة، فترك المسلمون مواقعهم الحربيَّة ونزلوا لجمع الغنائم، فقام المشركون بالالتفاف من خلفهم وهجموا عليهم وخسر المسلمون المعركة، فحدثَ حدثٌ مؤلمٌ كان من أشد الأحداث على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وعلى وصيّه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بصورة خاصَّة، وعلى الأُمَّة الإسلاميَّة بصورةٍ عامَّة، وهو استشهاد الحمزة بن عبد المطَّلب (رضوان الله عليه)، عمّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فكان استشهاده (رضوان الله عليه) على يد وحشي بعد أن كمن له بجانب الشجرة؛ لأنَّه لا يستطيع ملاقاته وجهًا لوجه لشجاعته وشراسته وقوَّته، فرماه وحشي بحربةٍ فارق على أثرها الحياة، وقام النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بالصَّلَاة عليه، فروي عن عيسى بن مهدي، وعسكر مولى أبي جعفر، والرّيان مولى الرّضا (عليه السَّلَام) وجماعة كثيرة، عن أبي مُحَمَّد العسكريّ (عليه السَّلَام) في حديث طويل: (وأمر الله أن يكبر عليه -أي على حمزة- سبعين تكبيرة، ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها، فأوحى الله إليه (صلَّى الله عليه وآله) إنّي قد فضلت عمّك حمزة بسبعين تكبيرة، لعظمته عندي، وكرامته عَلَيّ، وكبّر خمسًا على كل مؤمن ومؤمنة)[10].
وفي الختام أن الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين، واللَّعن الدَّائم على أعدائِهم أجمعين إلى قيام يوم الدِّين...
الهوامش:
[1] المجموع، النّووي: 8/359.
[2] ينظر: شرح الأخبار، القاضي النّعمان المغربي: 1/270.
[3] المصدر نفسه: 1/270.
[4] شرح الأخبار، القاضي النّعمان المغربي: 1/267.
[5] ينظر: المصدر نفسه: 1/268
[6] كشف الغطاء عن مبهمات الشَّريعة الغرَّاء، الشَّيخ جعفر كاشف الغطاء:1/110-111.
[7] المصدر نفسه: 1/111.
[8] ينظر: شرح الأخبار، القاضي النّعمان المغربي: 1/269.
[9] ينظر: المصدر نفسه: 1/267.
[10] مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي: 2/265.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2683 Seconds