الباحث محمد حمزة عباس
(في حكم الزانية المجنونة والزانية الحامل)
يجب أن يكون الوالي فطن كيس له معرفة في الأحكام الشرعية كي لا تظلم العباد بسببه؛ لأنَّ لكلِّ قضية حكم خاص، ولذا اختار الله من الخلق أعلمهم وأحكمهم وأرأفهم على الخلق، وهنالك من نصب نفسه خليفة فصار يحكم برأيه، وهذا ما حدث في عهد عمر بن الخطاب، فقد حدثت أمور كان يجهلها في زمن حكومته فحكم بها من هوى نفسه، ولولا أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تدارك كثير من تلك الأحكام لهلكت أناس كثيرة وعُطِّلت أحكام جليلة.
ومن جملة تلك القضايا والأحكام ما رواه الشيخ المفيد من (أنَّ مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل، فقامت البينة عليها بذلك، فأمر عمر بجلدها الحد، فمر بها على أمير المؤمنين (عليه السلام) لتجلد فقال: (ما بال مجنونة آل فلان تعتل ؟) فقيل له: إنَّ رجلًا فجر بها وهرب، وقامت البينة عليها، فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: (ردوها إليه وقولوا له: أما علمت أنَّ هذه مجنونة آل فلان! وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق! إنها مغلوبة على عقلها ونفسها )، فردت إلى عمر، وقيل له ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: فرَّج الله عنه لقد كدت أن أهلك في جلدها، ودرأ عنها الحد)[1].
وفي رواية اخرى (أُتي بحامل قد زنت فأمر برجمها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (هب لك سبيل عليها، أي سبيل لك على ما في بطنها!؟ والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[2]، فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو حسن، ثم قال: فما أصنع بها؟ قال، (احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحد عليها) فسري بذلك عن عمر وعول في الحكم به على أمير المؤمنين (عليه السلام))[3].
فهذه الأحكام التي حكم بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ونبه عليها إنما هي أحكام سماوية تبين للناس عدل الله ورأفته على الناس قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}[4]، وقال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }[5]، كذلك حجج الله لا يظلمون الناس مثقال ذرة ومن هنا اختارهم الله أن يكونوا حججه على خلقه.
الهوامش:
[1] - الإرشاد، الشيخ المفيد: 1 / 203.
[2] - الأنعام: 164.
[3] - الطرائف: 516.
[4] - يونس: 44.
[5] - النساء: 40.