هو إبراهيم بن مالك الأشتر (أبو النعمان ) فارس شجاع وشاعر كبير وموالي مخلص لآل البيت (عليهم السلام) كان أحد خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحد الذائدين عنه وكان جنب والده قائد القوات العلوية بطل الأبطال مالك الاشتر الذي كان أحد حواريي أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان مع والده يمثلان سداً منيعاً أمام أعداء الإسلام وخصوم أمير المؤمنين (عليه السلام).
دافع عن أمير المؤمنين عليه السلام مع والده دفاعاً مستميتاً أمام المنافقين الذين اضمروا الحقد لهذا الرجل العظيم الخالد على مر العصور .
شارك هذا الفارس مع والده في معركة صفين وقد أوكل إليه والده مهمات صعبة منها طلبه منه بأن يخرج الى أحد أشرس قادة معاوية وكان يدعى (الحميري)، حيث برز هذا الأخير إلى ساحة القتال وهو يقول بعد أن راى أن عمرو بن العاص قد بدى عليه الجبن عندما شاهد مالك الاشتر وهو يخاطب عمرو والمقاتلين:
إن يك عمرو قد علاه الاشتر بأسمر فيه سنان ازهر
فذاك والله لعمري مفخر يا عمرو يكفيك الطعان حمير
واليحصبي بالطعان أمهر دون اللواء اليوم موت أحمر
نادى مالك إبنه ابراهيم فأخذ اللواء وتقدم لهذا الفارس فبرز ابراهيم وهو يقول:
يا أيها السائل عني الأنزع أقدم فأني من عرانين النخع
كيف ترى طعن العراقي الجذع أطير في يوم الوغى ولا أقع
ما أسألكم سر وما ضر نقع أعددت ذا اليوم لهول المطلع
وحمل إبراهيم على هذا الفارس فاتقاه الحميري بلوائه ورمحه ولم يبرحا يطعن كل صاحبه حتى سقط الحميري قتيلاً وهو مضرج بدمه.
هلل عسكر الإمام (عليه السلام) وكبر بعمل ابراهيم البطولي لأن الحميري كان من الفرسان الذين يفخر بهم معاوية وجيشه ويعتبرونه من رموزهم.
عند سماع الامام بمقتل الحميري دعا ابراهيم واثنى عليه واشاد بشجاعته.
ظل ابراهيم جنب الامام عليه السلام وخاصة بعد استشهاد والده بعد ان دس له معاوية السم ذهب الامام عليه السلام الى دار ابراهيم ليعزيه باستشهاد والده ولم يهزه هذا المصاب الجلل فقام ابراهيم وخاطب الامام قائلاً: (نحن سيوفك المشرعة فاطلب منا ما شئت يا خليفة رسول الله فسترانا من المسرعين دفاعاً عن آل بيت النبوة فأنتم المعدن الصافي والجوهر الثمين).
هذا هو الإيمان الراسخ وهو ليس بغريب عن رجل كان والده فدائي أمير المؤمنين (عليه السلام) والمدافع عنه في اللحظات العصيبة.
استمر ابراهيم بولائه الثابت لأمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه البررة فبعد استشهاد الامام عليه السلام لازم الامام الحسن عليه السلام وبعد وفاته كان الى جنب الامام الحسين عليه السلام وعندما اعلن الامام الحسين عليه السلام ثورته كان عبيد الله بن زياد والي الكوفة قد اعتقل ابراهيم والعشرات من اتباع آل البيت لمنعهم من الاشتراك بثورة الامام الحسين عليه السلام وبعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام بفترة وعند قيام المختار بن ابي عبيدة الثقفي رضوان الله عليه بإعلان الثورة ضد السلطة الاموية للانتقام من قتلة الامام الحسين عليه السلام اصبح ابراهيم الاشتر قائد قوات المختار فقاد ابراهيم هذه القوات لمحاربة الجيش الأموي الذي قاده عبيد الله بن زياد والتقى الجيشان في منطقة الخازر القريبة من الحدود العراقية السورية ودارت معركة عنيفة بين الطرفين فكان ابراهيم يتقدم صفوف قواته وهو يقول لهم: (يا انصار الدين وشيعة الحق وشرطة الله هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حال بينه وبين بناته ونسائه وشيعته وبين ماء الفرات ان يشربوا منه وهم ينظرون اليه ومنعه ان ينصرف الى رحله واهله ومنعه من الذهاب في الارض العريضة حتى قتله وقتل اهل بيته فوالله ما عمل فرعون بنجباء بني اسرائيل ما عمل ابن مرجانة بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقد جاءكم الله به وجاءه بكم فوالله اني لأرجو ان لا يكون الله جمع بينكم في هذا الموطن وبينه إلا ليشفي صدوركم بسفك دمه على ايديكم فقد علم الله انكم خرجتم غضباً لأهل بيت نبيكم).
بعد ان أكمل كلمته هذا اجتاح صفوف الاعداء وهو يرتجز ويقول:
قد علمت مذحج علماً لا خطل اني اذا القرن لقيني لاوكل
ولا جزوع عندها ولا ثكل اروع مقداماً اذا النكس فثل
اضرب في القوم اذ جاء الاجل واعتلي راس الطرماح والبطل
بالذكر البتار حتى ينجدل
اخذ الحماس اتباع ابن الاشتر فشدوا على ابن زياد فتمكنوا من هزيمتهم بعد ان كبدوهم خسائر فادحة. وبعد وقت قليل من انتهاء المعركة قال ابن الاشتر: (اني قتلت رجلاً تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر فالتمسوه فاني شممت منه رائحة المسك شرقت يداه وغربت رجلاه.
فاطلبوه فاذا هو ابن زياد فاحتزوا راسه وارسل الى المختار الثقفي وقيل ان المختار ارسل راس ابن زياد الى محمد بن الحنفية عليه السلام.
هكذا كانت ثورة ابراهيم وانتقامه لدم الامام الحسين واله عليهم السلام الابرار واصحابه الكرام.
بعد القضاء على ثورة المختار عرض عبد الله بن الزبير الذي كان بدوره قد اعلن الثورة ضد السلطة الاموية وتمكن من السيطرة على معظم الاقاليم التي كانت تابعة للسلطة الاموية عرض عليه منصباً قيادياً كبيراً لعلمه بان ابراهيم قائد محنك عظيم الشأن الا ان ابراهيم رفض عرضه هذا.
وبعد ان تمكن عبد الملك بن مروان من دحر عبد الله بن الزبير واعادة السيطرة على الاقاليم التابعة للسلطة استدعى ابراهيم واخذ يتودد اليه وعرض عليه منصباً يختاره بنفسه وذلك لكي يكسب وده ويامن جانبه إلا أن إبراهيم رفض هذه الاغراءات وعاد الى عشيرته وعاش بينهم الى أن دبر له بني امية مكيدة وقاموا بقتله رحمة الله عليه.
إن الأعمال البطولية التي سطرها إبراهيم الأشتر من أجل الدفاع عن الإسلام وعن أمير المؤمنين وحقه ومن أجل الثأر لدم الحسين وآل بيته (عليهم السلام) جعلتنا نكتب باعتزاز عن هذه الشخصية الفذة التي بذلت الغالي والنفيس ونكست هاماتهم فاخزاهم الله في الدنيا والاخرة وصاروا وقوداً لنار جهنم التي لا تبقي ولا تذر فتباً لهم على أفعالهم المخزية.
مصادر البحث:
1- أصدق الاخبار في قصة المختار, ص67.
2- تاريخ الطبري – ج7, ص144.
3- الكامل في التاريخ, مج3, ص380.
4- مروج الذهب, ج3, ص97.
5- أعيان الشيعة, ج5,ص318.
6- رجال حول الحسين (عليه السلام) ص8-10.
7- الإمامة والسياسة, ج8, ص19.
8- أبو النعمان – رسالة بحث عن سيرة إبراهيم الأشتر, للعلامة محمد علي الغروي.
(رجال حول الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام), سعيد رشيد زميزم, قدم له العلامة الشيخ باقر شريف القريشي, ص17-21).