الباحث: عمار حسن الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
الأشتر، بطل مغوار، صنديد عتيد، سيِّد مطاع، شهم مغوار، جمع بين الشجاعة وقوة الإيمان وحُسن الخلق، وكان من حواريِّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
اسمه: مَالِكُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ وَالأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ وَكَانَ شَهْماً مُطَاعاً، وذَا فَصَاحَةٍ وَبَلاَغَةٍ، وقد لُقِّب بمَلِكِ العَرَبِ([1]) .
لقد نال مالك الأشتر (رضوان الله عليه) المكانة الرفيعة والدَّرجة السامية عند أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؛ لما كان يحمل من عزيمة في الإيمان، ونور في البصيرة، وعلوٍّ في الهمَّة، وسماحة في الخلق، ورفعة في القدر، ورجاحة في العقل، وهذه الصفات جعلته اليد الطولى لأمير المؤمنين (عليه السلام) فكان يبطش الأعداء به، ويسحق الخصوم بقوَّة إيمانه وساعده.
وقد آثرنا أن نتعرَّف على شخصية مالك بن الحارث الأشتر (رضوان الله عليه) بما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) وما قاله بحقِّه في نهج البلاغة، ونتَّخذ من تلك الكلمات أساسًا في معرفة المنزلة الرفيعة التي كان يتحلَّى بها مالك عند أمير المؤمنين (عليه السلام) . وقد قال بحقِّه جملة نصوص منها:
ما ذكره في كتاب له (عليه السلام) إلى أميرين من أُمراء جيشه: ((وَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَعَلى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا مَالِكَ بْنَ الْحَارثِ الأشْترِ، فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعاً، واجْعَلاَهُ دِرْعاً وَمِجَنّاً، فَإِنّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ، وَلاَ سَقْطَتُهُ، وَلاَ بُطْؤُهُ عَمَّا الاْسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ، وَلاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطءُ عَنْهُ أَمْثَلُ))([2]) .
فأمير المؤمنين (عليه السلام) يصف مالك الأشتر بهذا النص بأنَّه حازم في الأمور دقيق باتِّخاذ القرار، بحيث لا يُخاف منه الخطأ والخلل؛ لما يتمتَّع به من قوةٍ إيمانيَّة ورجاحةٍ فكريَّة .
ووصفه بنصٍّ آخر لأهل مصر عندما ولَّاه أميرًا عليها: ((أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَاد اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لاَ يَنَامُ أَيَّامَ الخَوْفِ، وَلاَ يَنْكُلُ عَنِ الأعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ، أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرَيقِ النَّارِ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِج، فَاسْمَعُوا لَهُ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيَما طَابَقَ الْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، لاَ كَلِيلُ الظُّبَةِ، وَلاَ نَابِي الضَّرِيبَةِ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فانْفِرُوا، وَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقيِمُوا فَأَقِيمُوا، فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ وَلاَ يُحْجِمُ، وَلاَ يُؤَخِّرُ وَلاَ يُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِي، وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ، وَشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ))([3]) .
وهذه الكلمات من أروع ما وِصفت الشجاعة بها، فأمير المؤمنين (عليه السلام) يصف مالكًا بأنَّه (أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرَيقِ النَّارِ) و(سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ) .
ثمَّ ينبِّههم إلى أنَّ مالكًا لا يصدر إلَّا عن رأيه (صلوات الله عليه)، وهذه منقبة كبيرة لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) .
ولمَّا ورد نعي مالك الأشتر (رضوان الله عليه) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ اغتاله معاوية أثناء دخوله مصر قال (عليه السلام) ((مَالكٌ وَمَا مَالِكٌ! وَاللهِ لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً، وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً، لاَ يَرْتَقِيهِ الْحَافِرُ، وَلاَ يُوفِي عَلَيْهِ الطَّائِرُ))([4]).
فهنيئًا لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) إذ يمدحه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بهذه العبارات العاليَّة البيان، وهذه الكلمات تنبئ عن عظيم المنزلة التي كان يتمتَّع بها مالك الأشتر عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم تقف كلمات الإمام (عليه السلام) عند هذا الحد؛ بل نجده يترحَّم عليه وينصُّ على أنَّه راضٍ عنه، وذلك بقوله:
((إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً، وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً، فَرَحِمَهُ اللهُ، فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، وَلاَقَى حِمَامَهُ، وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضونَ، أَوْلاَهُ اللهُ رِضْوَانَهُ، وَضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ((([5])، ورضا المعصوم من رضا الله تعالى.
الهوامش:
([1]) ينظر: سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، دار الحديث- القاهرة، الطبعة: 1427هـ-2006م: 4/528 .
([2]) نهج البلاغة: 520
([3]) نهج البلاغة: 666 – 667 .
([4]) نهج البلاغة: 773
([5]) نهج البلاغة: 660