هانئ بن عروة (رضوان الله عليه)
عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
هو هانئ بن عروة بن فضفاض، ويقال: بن عروة بن نمران- بن عمرو بن قعاس بن عبد يغوث الغطيفي المرادي الكوفي([1])، مخضرم، سكن الكوفة، وكان من خواص عليّ([2]) (عليه السَّلام)، شارك معه في صفِّين فكان مجاهدًا في الصفوف الأولى، وقد أوجعت ضرباته معاوية بن أبي سفيان وجيشه، ويُذكر أنَّه أُدخل على معوية يومًا ما فقال له معاوية: ((أَنْت المائل علينا مَعَ عَليّ بن أبي طَالب الْعَدو الْمُحَارب الْخَارِج علينا فِي جمَاعَة الْمُسلمين يَوْم صفّين؟! فَقَالَ هانئ بن عُرْوَة: أمَّا خروجي عَلَيْك يَا بن هِنْد فإنَّني غير معتذر مِنْك، وَلَو كنت مبارزي يَوْم صفّين لقد كنت ايتم مِنْك هَذَا الْمجْلس، وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْجُلُوس لَو أنَّهم بارزوا لأعولت عَلَيْهِم نِسَاؤُهُم فِي جملَة المعولات، وَإِنَّمَا تربصت بِنَفْسِك عَن أَن تلْحق الْكِرَام، فوَ اللَّه مَا أَحْبَبْنَاك مُنْذُ عرفناك، (ويروى مُنْذُ ابغضناك) وَلَا قلبنا السيوف الَّتِي فِيهَا جالدناك وَإِنَّهَا لحداد بأيدي أنَاس شَداد، وَإِنَّ نصر الله لينزل علينا، وَإِنَّا لنعرف أيادي الله (عزَّ وَجلَّ) علينا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أتأكل المستحسن لرعايتك والمضمر لكفايتك فَمَا حَاجَتك؟ قَالَ: أن تتركني كفاف، لَا تُعْطِينِي وَلَا تطمع فِي وصالي، وَإِن تيأس فِي مودتي، وإنني من الله كافيات نعمتي، وَأَنا أشكر الله على نعْمَته وعَلى مَا أولاني من أهل وَولد وَمَال وَكَثْرَة عشيرة))([3]) .
هكذا كان لسانه حادًّا كحدِّ سيفه، وكما كانت ضرباته موجعةً لمعاوية وأنصاره في صفِّين الإباء كانت كلماته كذلك، فهي بوقعها لا تقلُّ عن صولاته في المعركة، ولم يدارِ هانئ (رضوان الله عليه) معاوية أبدًا حتَّى في قصره، وهذا يدلُّ على شجاعته وقوَّة عقيدته وسمو نفسه، وهكذا إنسان لا يجدر به أن يموت على الفراش بالمرض والعلَّة، وإنَّما اختار له الله تعالى موتةً يغبطه عليها الاتقياء والصَّالحين، إذ سرعان ما انضوى تحت قيادة مسلم بن عقيل (عليه السلام) في أوَّل وصوله إلى الكوفة، وصار بيته مقرًّا للقيادة والاجتماع، ولمَّا علم بهم عبيد الله بن زياد أرسل إلى هانئ (رضوان الله عليه) فعاتبه على ضيافته وإيوائه لمسلم (عليه السلام)، وما كان من هانئ (رضوان الله عليه) إلَّا أن قال له: ((إنَّه جاء حق هو أحق من حقك، وحق أهل بيتك، فوثب عبيد الله، وفي يده عنزة، فضرب بها رأس هانئ حتَّى خرج الزّج، واغترز في الحائط، ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه))([4])، وهكذا تمضي روح هانئ (رضوان الله عليه) مضرَّجةً بدماء التضحية والفداء لآل المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، لترحل إلى بارئها بأنقى صورة، إذ رحل هانئ (رضوان الله عليه) شهيدًا فاديًا العقيدة بدمه على يدِ أحد ألد أعداء الله تعالى، وقد كان عمره جاوز التسعين عامًا ممَّا يعنى أنَّه من الحياة النبويّة فوق الأربعين سنة([5]) .
رحم الله هانئ وألحقه بركب الصالحين مع محمَّدٍ وآله الطاهرين وألحقنا بهم شهداء بعاقبة حسنة ونية صادقة وقلب سليم...
الهوامش:
([1]) تاريخ دمشق: 73/346 ، الإصابة في تمييز الصحابة: 6/455 .
([2]) الإصابة في تمييز الصحابة: 6/455 ، الأعلام: 8/68 .
([3]) أخبار الوافدين من الرجال من أهل البصرة والكوفة على معاوية بن أبي سفيان: 28 – 29 .
([4]) تاريخ دمشق: 73/348
([5]) الإصابة في تمييز الصحابة: 6/455 .