الحقوق السَّياسيَّة للرَّعية على الحاكم في فكر أمير المؤمنين (عليه والسَّلَام) [2] حق المعارضة السّياسيَّة وشرعيتها انموذجًا

مقالات وبحوث

الحقوق السَّياسيَّة للرَّعية على الحاكم في فكر أمير المؤمنين (عليه والسَّلَام) [2] حق المعارضة السّياسيَّة وشرعيتها انموذجًا

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 30-12-2019

البَاحِث: سَلَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللّعنة الدَّائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدِّين...
وبعد...
إنَّ حقوق الرَّعية على الحاكم تستمد معناها من طبيعة الحكم وطريقته، الذي يسير عليه الحاكم ويمارسه[1]، والإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) منح مجموعة من الحقوق السّياسيَّة للرَّعيّة على الحاكم المنصَّب من قبلِهِم، وبتعبير آخر: من يقوم بإدارة الدولة مؤسسَّاتها المختلفة، كالتَّعليمية والمعرفيَّة والاقتصادية والعسكريَّة وغيرها.
فبعد أن تطرّقنا في موضوعٍ سابق لأحد الحقوق السّياسيَّة للرعيَّة على الحاكم، وهو: حريَّة التَّعبير عن الرأي واحترامه، ففي هذا الموضوع سنتطرّق إلى حقٍ سياسيٍّ آخر للرَّعيَّة، وهو: (حق المعارضة السَّياسيَّة للرَّعيَّة على الحاكم).
فالمعارضة السّياسيَّة هي من الحقوق المشروعة للرَّعيَّة على الحاكم في القانون الإسلامي وفقهه، التي تقوم بوجه السّلطة الحاكمة في إطار الدَّولة، وانتقاد سياسة الحاكم، فجاء منهج الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في منح الحق للرعيَّة في المعارضة على أداء الحاكم وإدارة الدَّولة، وإنَّ تجربته (عليه السَّلَام) تمتاز بإقراره لحق المعارضة السّياسيَّة كجزء مهم وحيوي من حقوق الإنسان، وجعلها من الواجبات الشرعية والسياسية في بعض الظروف والحالات[2].
 وهذا يكون ضمن منهجية على وفق الشريعة الإسلاميَّة لا كما يريد من يحاول زعزعة الأمن في البلاد الإسلاميَّة، ولكن على وفق أطرٍ ومنهجيَّة وشروط ومواصفات ومحدّدات عمليَّة لمن يعترض على سياسة من يمسك زمام السّلطة؛ خشية من عواقب انحراف تلك المعارضة وما هيأه من بيئة تترسخ فيها الحرّيَّة بشتى أبعادها ولاسيما الحرّيّة السّياسيَّة وسبل التعبير عن الرأي[3].
أي: إنَّ المعارضة هي أسلوب للتعبير عن إرادة الرَّعيَّة ورأيهم السّياسيّ، في مراقبة الحاكم ومعارضة إدارته السّياسيَّة وغيرها للبلد، وتقويم سلوكه وفقًا لمبدأ الرَّأي والرأي الآخر واحترام اختلاف وجهات النظر في إبداء الرأي بوصف الاختلاف من الحقوق المشروعة وهنا يكون تنوع المفاهيم والتّصوّرات والمواقف أمرًا مقبولًا[4].
وحول ضرورة التزام الحاكم بالشَّريعة الإسلاميَّة كمعيار لصلاحه وشرعية استمراره في أداء وظيفته، وشرعية معارضة الرَّعيَّة لسياسته، إذ يقول الإمام (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)[5]: (فإنَّ جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه، وعب في نعاس العمى والضلال، اختيارًا له فريضة على العارفين، إنَّ الله يرضى عمَّن أرضاه، ويسخط على من عصاه، وإنَّا قد هممنا بالسّير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله)[6].
فانطلاقًا من منظور الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في شرعيَّة المعارضة السياسيَّة الحقَّة والمشروعة، فكلّ من عمل في الرَّعية أبان قول الإمام (عليه السَّلَام) أعلاه، وخرج عن المسار الصَّحيح في الإدارة السّياسيَّة للدولة، ولم يعمل في ضوء منهجية الإسلام في إدارة شؤون الرَّعيَّة، كسرقة المال العام أو عدم توزيعه في الشكل الصحيح على مستحقيه، أو عاث فسادًا في الأرض أو أصدر حكمًا غير عادلٍ في شخصٍ ما، وغير ذلك، فهنا أصبح للرعيَّة الحق في نقد سياسته ومعارضتها والوقوف بوجهه ومحاسبته فيما يرضي الشريعة السّمحاء، وعلى هذا الأساس لا يحق لكلّ من هبّ ودب محاسبته وفقًا لأهوائه ومآربه الشَّخصيَّة، فيأتي شخصٌ ما ويحاكمه على ضوء مزاجه وعاطفته ورغبته وانحيازه الحزبي والشخصي، فهذا لا يوافق الشريعة الإسلاميَّة.
وهذا ما يسعنا أن نقدّمه عن هذا الموضوع، ونسأل الله تعالى المغفرة لنا ولجميع شيعة آل بيت الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) ومواليهم.
الهوامش:
[1] ينظر: دراسات في نهج البلاغة، محمَّد شمس الدّين: 129.
[2] يُنظر: حقوق الإنسان في فكر الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) رؤية علميَّة، د. غسان السَّعد: 203.
[3] يُنظر: حقوق الإنسان في فكر الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) رؤية علميَّة، د. غسان السَّعد: 203.
[4] يُنظر: المعارضة السّياسيَّة في التَّحليل السّياسيّ الرَّسميّ العربيّ، م. وَلِيد سَالِم مُحَمَّد: 3.
[5] يُنظر: حقوق الإنسان في فكر الإمام عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) رؤية علميَّة، د. غسان السَّعد: 215.
[6] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/182.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2776 Seconds