أمانا أهل الأرض

مقالات وبحوث

أمانا أهل الأرض

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-02-2020

الباحث: محمد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْوَاصِلِ اَلْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَاَلنِّعَمَ بِالشُّكْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلاَئِهِ وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ اَلنُّفُوسِ اَلْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ اَلسِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُ...
وبعد...
جعل الله سبحانه وتعالى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أمانًا لأهل الأرض، إذ به يدفع الله نقم الدنيا ودواهيها، ولأجله يُنزل الله بركات السّماء لأهل الأرض، وكل ذلك تكريما وتشريفاً له بوصفه خاتم الرّسل وسيد الخلق، وقد جعل الله أمانًا آخر وهو الاستغفار، وقد روى أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، عن جده أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أنّه قال: (كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسّكوا به: أمّا الأمان الَّذي رفع فرسول اللَّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[1])[2].
قال الرضي: وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط[3].
لذا لا بد وأن يستغفر العبد ربّه، ليأمن عواقب الدّنيا ورزياتها، لأنَّ في الدنيا مصائب قد تكون فيها ذهاب الدين، فعن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) قال: (سلوا الله العافية من جهد البلاء، فإن جهد البلاء ذهاب الدّين)[4].
وفي رواية قال عمار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليه) للنَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله): (وددت أنك عمرت فينا عمر نوح (عليه السَّلَام)، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يا عمار، حياتي خير لكم ووفاتي ليس بشر لكم، أما في حياتي فتحدثون وأستغفر الله لكم، وأما بعد وفاتي فاتقوا الله وأحسنوا الصلاة علي وعلى أهل بيتي، وإنكم تعرضون علي بأسمائكم وأسماء آبائكم، وأنسابكم وقبائلكم، فإن يكن خيرا حمدت الله، وإن يكن سوى ذلك استغفرت الله لكم، فقال المنافقون والشكاك والذين في قلوبهم مرض: يزعم أن الأعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال وأسماء آبائهم وأنسابهم إلى قبائلهم، إن هذا لهو الإفك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[5]، فقيل له: ومن المؤمنون، قال: عامة وخاصة، أما الذي قال الله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ فهم آل مُحَمَّد، ثم قال: ﴿وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من طاعة ومعصية)[6].
فقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[7]، فالآية واضحة وصريحة أن الله عز وجل لا يعذب أناسا يستغفرونه لأن الاستغفار نوع من أنواع الدعاء وسبحانه كريم لا يرد دعوة داعيّ.
ومن ترك الاستغفار وانشغل بالدنيا وأنساه الأمل فلا يأمن الهلكة، يقول الإمام (عليه السَّلَام): (وإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ، وتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ، وتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ والنِّقْمَةُ)[8].
فالأمل ينسي الآخرة ويلهي الإنسان عن الاستغفار، فنستعيذ بالله من مضلات الفتن ومن الغفلة ومن عواقب السوء ونسأله التوفيق في الدنيا والآخرة.
الهوامش:
[1] - سورة الأنفال: 33.
[2] - نهج البلاغة، ح: 88، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[3] - المصدر نفسه: 483.
[4] - ملاذ الأخيار، العلَّامة المجلسيّ: 5/54.
[5] - سورة التّوبة :105.
[6] - بحار الأنوار: 17/144.
[7] - سورة التوبة: 105.
[8] - في ظلال نهج البلاغة، محمَّد جواد مغنية: 2/ 339.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2414 Seconds