بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحلقة الأولى:
«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسدآها وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»([1]).
والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله الهداة إلى الإسلام.
أمّا بعد: ما تزال المكتبة الإسلامية وإلى يومنا هذا تأن من عبث الأقلام المتزلفة لأرباب النّعم وتشكو من عبث الأهواء بما اختزنته سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من قيم.
فتتبعتْ كل ما له علاقة بالآل النبوية فألجئته إلى التعتيم تارة والتغير ثانية والتضليل ثالثة، وما ولادة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) إلا واحدة من الحوادث التاريخية التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بهوية المسلم ودليل يرشد الناظر إلى شخصيته ومكوناته العقدية فحوربت هذه الحادثة بالتعتيم والتغيير والتضليل حتى يخال المرء نفسه أمام مسلّمات قاطعة بأن صاحب الحدث هو حكيم بن حزام ليمضي بين بديهيات العقل الذي يقف مستدلاً وهو يقرأ تأريخ الأمم الأخرى والديانات المتعددة سواء ما كان منها مرتبطاً بالسماء كالأنبياء والمرسلين (عليهم السَّلَام) أم كان مرتبطاً بالأرض كأصحاب المعتقدات والمذاهب الفكرية والحركات الإصلاحية التي ينطلق أصحابها من رؤاهم وتأملاتهم وأفكارهم معتمدين في ذلك على جملة من المعطيات الفكرية والظواهر الحياتية فكانت حياتهم مسجلة عند أتباعهم ومقدسة لدى من يؤمن بهم ينقاد لهذه القيم الكبير وينشئ عليها الصغير، حتى عدّوها جزءاً لا يتجزأ من المكون الوجودي لأممهم.
سوى هذه الأمة فهي أعجب الأمم في محاربة رموزها وتضليل أبناء جلدتها وكأنها في حرب مع بني الإنسان فكيف يبني دينهم ومن يعتقدون بنبيّهم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
حتى تخال أنك تقرأ لأمتين مختلفتين لا أمة واحدة إن لم يذهب بك الدليل إلى أنها أمم عدة تخالفت في المعتقدات والتوجّهات والمعطيات الفكرية فكونت لها ثقافات متعددة وأديولوجيات متنوعة لا تكاد تجتمع في ظواهرها الواحدة فكيف هي في بواطن الأمور أنه أمر يحتار فيه اللبيب ويجاهد فيه الباحث.
من هنا:
قد لا يولي المسلم هذا العنوان الذي دار فيه بحثنا قسطاً من اهتماماته فالأمر لا يتعدى من كونه حادثة صغيرة مرّ عليها مئات السنين، ونقول:
هنا يكمن الخلل في ثقافة القراءة فالتصاغر أمام الأحداث التي شكلت مكونات الهوية والعقيدة الإسلامية يؤدي إلى فقدان الهوية وضياع الشخصية فضلاً عن التنازلات التي تؤدي إلى التذويب فيصبح الإنسان وعنوانه الحياتي: (ولا أدري).
لذلك: لم نكن ننظر إلى حادثة الولادة في بيت الله الحرام من منظور الحدث التاريخي، فالحوادث التاريخية تعج منها الكتب، فضلاً عن كونها مداد المؤرخ، ولكن: نحن أمام موضع اقترن بالخالق (سبحانه وتعالى) وفي محل ارتبط بسلسلة من الأنبياء (عليهم السَّلَام) ابتداءً من آدم (عليه السَّلَام) وانتهاءً بالمُصْطَفَى أبي القاسم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومن ثمّ فالحدث قد اختزن بين دفتيه هذا التّراث النَّبويّ، وامتزجت بذراته هذه الحرمة والقُدسيَّة.
إذ قد حظي صاحب الولادة (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) في بيت الله الحرام بما لم يحظ به نبي أو رسول على الرغم مما لديهم من شأنية عند الله تعالى ووجاهة.
حتى نبي الله عيسى عليه السلام الذي انفرد في ولادته بخصائص فريدة فيما بين الخلق إلا أنه حينما حانت ولادته وجاء المخاض لمريم عليها السلام أمرتها الملائكة بالخروج من بيت المقدس ولم يؤذن لها بالمخاض فيه بل اُختير لها من الأراضي كربلاء كما نصت عليه الأحاديث الشريفة الواردة عن العترة المحمدية صلوات الله عليهم أجمعين([2]).
ولذلك:
نحن أمام حدث تفرد في جميع خصوصياته ومكوناته لما ارتبط به من أسس عقدية كان مرتكزها الأول الأنبياء والمرسلين (عليهم السَّلَام) ووجود البيت الحرام.
شكل أهمية بالغة تفرض على المسلم والباحث التحقق والدراسة كي يعطي هذا المولود (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) حقّه مما اختار الله تعالى له من الشأنية التّلازمية لما للبيت الحرام من شأنية ووجاهة عند الله تعالى والأنبياء والناس أجمعين...
وهذا ما سنتناوله في الحلقات القادِمة إن شاء الله تعالى.
الهوامش:
([1]) هذا ما ابتدأت به سيدة نساء العالمين خطبتها الاحتجاجية في المهاجرين والأنصار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج1، ص133، مقتطفات من خطبة الزهراء عليها السلام.
([2]) للمزيد من الاطلاع ينظر: حقيقة الأثر الغيبي في التربة الحسينية للمؤلف.