بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحلقة الرابعة: مناقشة قول ابن أبي الحديد المعتزلي في نفيه ولادة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في الكعبة:
ومن أطرف هذه الأقوال ما ورد عن ابن أبي الحديد المعتزلي فقد قال: (واختلف في مولد علي أين كان، فكثير من الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة والمحدثون لا يعترفون بذلك: ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام).
وهذا القول يتضمن مجموعة من الإشكالات، وهي كالآتي:
1ــ طريفة، هي المعالجة التي عالج فيها ابن أبي الحديد المعتزلي حادثة الولادة في الكعبة فقد حصرها في المزاعم بين الطرفين، إلا أنه فاته أن يكون منصفاً وأميناً حتى في هذه المزاعم.
فقد نسب ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام إلى المذهب فقال (كثير من الشيعة) فنعتهم بمذهبهم الذي يدينون به ويتقربون به إلى الله تعالى بما للنصوص القرآنية والنبوية من إلزام في الأخذ بأعناقهم إلى هذا التعبد.
ونسب ولادة حكيم بن حزام إلى (المحدثين) وهنا: ولأنها مقايسة غير علمية وغير أمينة فقد نسب هذا القول إلى المحدثين من دون أن يأتي بقرينة تكشف عن هوية هؤلاء المحدثين فقد يكونون من محدثي اليهود، وقد يكونون من محدثي النصارى، وقد يكونون من محدثي المنافقين أو الخوارج أو الوثنيين وغير ذلك، وكله يصح لغياب القرينة.
كما فعل في قوله (كثير من الشيعة) فعندها أصبح واضحاً أن القول صادر من الشيعة، أما أن يترك ولادة حكيم بن حزام إلى (المحدثين) من دون أن يأتي بقرينة تعرف هؤلاء المحدثين فهذه طريفة لكنها تصلح أن تضاف إلى طرائف جحى لا لإثبات حادثة تاريخية متلازمة مع العقيدة الإسلامية.
2ــ من العجيب أن ينسب ابن أبي الحديد حادثة ولادة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى (الشيعة) وكأنه لم يقرأ كتاباً واحداً من كتب أهل السنة والجماعة، ولا علم له بها فهو مشغول بين أقوال الشيعة وأقوال المحدثين المجهولين.
لكنا هنا: نلفت انتباه ابن أبي الحديد ومن تبنى قوله إلى أنّ كثيراً من حفاظ أهل السنة والجماعة وهم أصحاب مدرسة الخلافة قد رووا أن المولود في الكعبة علي بن أبي طالب عليه السلام وليس أولئك المحدثين المجهولين الهوية الذين زعموا أن حكيم بن حزام، قد ولد في الكعبة، ولأن هؤلاء المحدثين المجهولين لا يعترفون بولادة الإمام علي عليه السلام في الكعبة فقد أخذ ابن أبي الحديد بقولهم ونقله للقراء ونكتفي هنا بذكر قولين.
أ: قال الحاكم النيسابوري (المتوفي سنة 405هـ) صاحب المستدرك على الصحيحين البخاري ومسلم.
قال: (تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة)([1]).
ب: قال الزرندي الشافعي (المتوفى سنة 750هـ):
(وولد كرم الله وجهه في جوف الكعبة، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة على المشهور)([2]).
إذن: هذا تقوّل واضح من ابن أبي الحديد على المحدّثين وإن كانوا مجهولي الهوية.
3ــ وقد اتهم ابن أبي الحديد المحدثين حينما نسب إليهم جميعاً عدم الاعتراف بولادة الإمام علي عليه السلام في الكعبة في حين كانت الأمانة العلمية والدينية تلزمه إلى عدم التعميم في هذه التهمة فإن ذلك يدفع القارئ إلى القطع بأن المولود هو حكيم بن حزام.
في حين أن كثيراً من المحدثين من أهل السنة والجماعة لا يعترفون بولادة حكيم بن حزام في الكعبة وليس العكس، بل وإنما ينكرون على الرواة إتباعهم الأوهام في ولادة حكيم بن حزام، كقول الحاكم النيسابوري: (وهم مصعب)([3]).
وليس مصعب الزّبيري هو الوحيد من توهّم في ولادة حكيم بن حزام، بل غيره أيضًا وهم من الذين سنناقش أقوالهم في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.
الهوامش:
([1]) المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج3، ص483.
([2]) معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ص57.
([3]) المستدرك للحاكم: ج3، ص483.