ولادة الإمام الجواد (عليه السَّلَام)

مقالات وبحوث

ولادة الإمام الجواد (عليه السَّلَام)

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-03-2020

الباحث: سلام مكي اليساري

الحمدُ لله حمد الشَّاكِرِين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين، أبي القاسِم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعن الدَّائِم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ من الشخصيَّات العظيمة التي أصلها معدن الرّسالة النَّبويَّة، هي: شخصيّة الإمام السَّادس (مُحَمَّد بن عَلِيّ الجواد "عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام").
 فالحديث عن شخصيِّته (عليه السَّلَام) المباركة لا تفي بحقّها هذه السّطور، لكنّا سنورد بعض الجوانب التي تخص هذه الشخصيَّة العظيمة، في مناسبة عظيمة تمرّ علينا، وهي: مناسبة ولادته (عليه السَّلَام)، منها:
جوانب من حياته (عليه السَّلَام) الاجتماعية:
أ-اسمه (عليه السَّلَام) ونسبه: هو الإمام مُحَمَّد الجَوَاد بن عَلِيّ الرِّضا بن موسى الكاظم، بن جَعْفَر الصَّادِق، بن مُحَمَّد الباقِر، بن عَلِيّ السَّجَّاد، بن الحسَين الشَّهِيد، بن عَلِيّ بن – عبد مناف- أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين). وهو (عليه السَّلَام) الإمام السَّادس من أئمّة الحقّ الهُداة من الضَّلَالة إلى النُّور.
مولده (عليه السَّلَام) ونشأته:
وُلِد الإمام مُحَمَّد بن عَلِّي الجواد (عليهما أفضل الصَّلَاة والسّلَام)، يوم العاشر من شهر رجب الأصب، من سنة مئة وخمس وتسعين للهجرة[1]، ونشأ (عليه السَّلَام) في ظل أبيه الإمام الرّضا (عليه السَّلَام)، ونهل العلم والمعرفة منه، فنشأ (عليه السَّلَام) في فترة تزخر بالأحداث والظّروف السياسيَّة المتقلّبة، والصّراع على الحكم العبَّاسيّ بين العبَّاسيين أنفسهم، ولم تكن تلك الأحداث السّياسيَّة والصراع على السلطة، لينتهي من دون أن تنعكس آثاره على حياة الإمام الرِّضا (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) والد الإمام الجواد (عليه السَّلَام)، فكان الإمام الرّضا (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، يركز على بناء شخصيته وتعظيم مقامه، وكان يخاطبه بالإجلال والتَّعظيم، ويكنّيه بأبي جعفر[2].
فكان أبو جعفر (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) صاحب هيبة ووقورًا وصاحب علم غزير وفضل كبير على الأمَّة في حفظ حدود السُّنَّة النَّبويَّة، بالرغم من سوء تصرّف السلطة العبَّاسيَّة الحاكمة آنذاك معه (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وخير من يمثّل الشّريعة الإسلاميَّة بعد شهادة أبيه الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام) وخير إمام لأُمَّة جدّه المُصطَفَى (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، بالإضافة إلى أفضليَّته على أهل زمانه، وكانت له (عليه السَّلَام) مكانة كبيرة بين المجتمع، سواء من البيت النَّبوي (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) أم من عامَّة الرَّعيَّة، يروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهم السَّلَام) جَالِساً بِالْمَدِينَةِ وكُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَه سَنَتَيْنِ أَكْتُبُ عَنْه مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيه -يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ الرِّضا (عليه السَّلَام)- إِذْ دَخَلَ عَلَيْه أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السَّلَام) الْمَسْجِدَ - مَسْجِدَ الرَّسُولِ (صلَّى الله تعالى عليه وآله)- فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السَّلَام) بِلَا حِذَاءٍ ولَا رِدَاءٍ فَقَبَّلَ يَدَه وعَظَّمَه فَقَالَ لَه أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السَّلَام): ((يَا عَمِّ اجْلِسْ رَحِمَكَ الله فَقَالَ يَا سَيِّدِي كَيْفَ أَجْلِسُ وأَنْتَ قَائِمٌ)) فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مَجْلِسِه جَعَلَ أَصْحَابُه يُوَبِّخُونَه ويَقُولُونَ: أَنْتَ عَمُّ أَبِيه وأَنْتَ تَفْعَلُ بِه هَذَا الْفِعْلَ؟! فَقَالَ: اسْكُتُوا إِذَا كَانَ الله (عَزَّ وجَلَّ)، -وقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِه- لَمْ يُؤَهِّلْ هَذِه الشَّيْبَةَ وأَهَّلَ هَذَا الْفَتَى ووَضَعَه حَيْثُ وَضَعَه أُنْكِرُ فَضْلَه؟! نَعُوذُ بِالله مِمَّا تَقُولُونَ، بَلْ أَنَا لَه عَبْدٌ)[3].
أقوال والده الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام) في حقّه:
 أ-بشارته في مولده (عليه السَّلَام):
كانت البشارة في مولد الإمام مُحَمَّد بن عَلِيّ الجواد (عليهما السَّلَام)، في أحاديث عدة واردة عن آل البيت النَّبويّ (عليهم السَّلَام)، لكننا نسلط الضوء هنا على بعض ما ورد عن لسان والده الإمام الرّضا (عليه السَّلَام)، فكان الإمام (عليه السَّلاَم) قد بشَّر في ولادة ابنه (عليه السَّلَام) في وقت سبق ولادته وأكَّد أنَّه (عليه السَّلَام) سيُرزق بولدٍ ذكر مبارك، فمما جاء مرويًّا عنه (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في حقّ مولد ابنه الجواد (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (والله لَا تَمْضِي الأَيَّامُ واللَّيَالِي حَتَّى يَرْزُقَنِيَ الله وَلَداً ذَكَراً يَفْرُقُ بِه بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ)[4].
ب- ذكره لبعض مناقبه (عليه السَّلَام):
إنَّ لإمامنا الجواد (عليه السَّلَام)، العديد من المناقب والفضائل التي لا يُحصى ولا يحدّ عددها، فمنها ما ذُكرت على لسان أبيه الإمام عَلِيّ بن مُوسَى الرِّضا (صلوات الله تعالى وسلامه عليهما): أنَّ الإمام الجواد (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) هو الإمام الحق الذي يتقلَّد الإمامة الإلهيَّة خلفًا لأبيه الرِّضا (عليه السَّلَام)، ويُثبِت الحقّ ويقوّمه ويزهق الباطل ويمحقه، وهذا ما جاء عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (عليه السَّلَام)، فَقُلْتُ لَه: (أيَكُونُ إِمَامَانِ قَالَ (عليه السَّلَام): ((لَا، إِلَّا وأَحَدُهُمَا صَامِتٌ)) فَقُلْتُ لَه هُوَ ذَا أَنْتَ لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ ولَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَه أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السَّلَام) بَعْدُ، فَقَالَ لِي (عليه السَّلَام): ((والله لَيَجْعَلَنَّ الله مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِه الْحَقَّ وأَهْلَه ويَمْحَقُ بِه الْبَاطِلَ وأَهْلَه)))[5].
وكذلك من مناقبه (عليه السَّلَام) التي رُويت عن أبي الحَسَن الرِّضا (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): أنَّه (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، كان مولودًا مباركًا على شيعة آل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) ومُحبّيهم ومواليهم، فكان (عليه السَّلَام) خير من انقذهم من الزَّلَات والهفوات وخير من يُبيّن لهم الصَّواب من الخطأ، فتأكيدًا لكلامنا هذا ما روي عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليهما أفضل الصَّلَاة والسّلَام) فَجِيءَ بِابْنِه أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السَّلَام) وهُوَ صَغِيرٌ فَقَالَ (عليه السَّلَام): (هَذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْه)[6].
أما في ختام مقالنا هذا، فلا يسعنا إلَّا أن نلتمس العذر من الذي أختصّ فيه المقال الذي هو سيّدنا ومولانا الإمام مُحَمَّد بن عَلِيّ الجواد (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، كونه شخصية عظيمة ويستحقّ أكثر من هذا الكلام في مناسبة ولادته (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) المباركة، لكن هذا ما يسعنا أنذكره عنه (عليه السَّلَام)، فمبارك لشيعة أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، بهذه المناسبة العظيمة، وأن الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله تعالى على سيدنا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين إنَّه سميع عليم...
الهوامش:
[1] كشف الغمّة في معرفة الأئِمَّة، عليّ بن أبي الفتح الأربلي: 3/134.
[2] يُنظر: رجال تركوا بصمات على قسمات التَّأريخ، السَّيِّد لطيف القزويني: 236.
[3] الكافي، الشَّيخ الكُلَيني: : 1/322.
[4] المصدر نفسه: 1/320.
[5] المصدر نفسه: 1/321.
[6] شبهات وردود، السَّيِّد سامي البدري: 1/40.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2492 Seconds