لهذا السبب هملت عيون رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالدموع

مقالات وبحوث

لهذا السبب هملت عيون رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالدموع

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-03-2020

علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه نبينا محمد (صلَّى الله عليه وآله) وعترته الطَّاهرين...
(السّلام عليك يا ابن من حباه اللَّه بالكرامة، قد اختار اللَّه لك دار إنعامه قبل أن يكتب عليك أحكامه أو يكلَّفك حلاله وحرامه فنقلك إليه طيّبا زاكيا مرضيا طاهرا من كلّ نجس مقدّسًا من كلّ دنس وبوّأك جنّة المأوى ورفعك إلى الدّرجات العُلى)[1].
فعندما يتمعن القارئ في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السَّلَام) بخصوص الأحزان والآلام التي مرت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وكيف كان يتحمل هذه المصائب والويلات لتفطر القلب من عظيم هذه المصائب التي نزلت به (صلَّى الله عليه وآله) هذا وإن دلّ على شيء إِنّما يدلّ على قوة أيمانه بالله تعالى وتسليمه لأمر ربه اتجاه حوادث الدنيا ومكارهها ومن المصائب التي مرت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حتى هملت عيونه بالدموع هو فقده لولده ابراهيم (عليه السَّلَام) حيث بينت الروايات الشريفة الأيام المأساوية التي مرت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
فإبراهيم بن رسول اللَّه (صلَّى اللَّه عليه وآله) من مارية، ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها سنة عشر وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيّام، وقبره بالبقيع[2]، وقيل توفي في السنة العاشرة من الهجرة وله من العمر ثمانية عشر شهراً[3].
فعن أبي عبد الله (عليه السَّلَام) في حديث قال: (لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله هملت عين رسول الله صلى الله عليه وآله بالدموع، ثم قال رسول الله علي وآله (تدمع العين) ويحزن القلب (ولا نقول ما) يسخط الرب، وأنا بك يا إبراهيم لمحزونون)[4].
وعن عامر بن عبد الله، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السَّلَام) يقول: (كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عذق يظله عن الشمس، فلما يبس العذق ذهب أثر القبر فلم يعلم مكانه، وقال (عليه السَّلَام): مات إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان له ثمانية عشر شهرا فأتم الله عز وجل رضاعه في الجنة)[5].
وعن الحسين بن خالد، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السَّلَام) يقول: (لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جرت في موته ثلاث سنن، أما واحدة، فإنه لما قبض انكسفت الشمس، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فصعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن كسوف الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا أو أحدهما صلوا، ثم نزل من المنبر، فصلى بالناس الكسوف، فلما سلم قال: يا علي قم فجهز ابني، قال: فقام علي بن أبي طالب (عليه السَّلَام) فغسل إبراهيم وكفنه وحنطه ومضى، فمضى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حتى انتهى به إلى قبره، فقال الناس: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نسي أن يصلِّى على ابنه لما دخله من الجزع عليه، فانتصب قائما ثم قال: إن جبرئيل (عليه السَّلَام) أتاني فأخبرني بما قلتم، زعمتم أنى نسيت أن أصلِّى على ابني لما دخلني من الجزع، ألا وإنه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة، وأمرني أن لا أصلى إلا على من صلى، ثم قال: يا علي انزل وألحد ابني، فنزل عَلِيّ (عليه السَّلَام) فألحد إبراهيم في لحده، فقال الناس: إنه لا ينبغي لاحد أن ينزل في قبر ولده إذا لم يفعل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بابنه، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): يا أيها النَّاس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم، ولكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عن ذلك من الجزع ما يحبط أجره ثم انصرف (صلَّى الله عليه وآله)[6]. 
وعن خالد بن معدان، قال لما مات إبراهيم بن النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بكى، فقيل: أتبكي يا رسول الله؟ فقال: (ريحانة وهبها الله لي، وكنت أشمها)[7].
فبعد أن بينا الروايات الشّريفة نستدل على أن ابراهيم بن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد مات وعمره ثمانية عشر أشهر، ونرى أهل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد تحملوا ما تحملوا من المصائب والويلات وامتثلوا لقضاء الله عند نزول أمره بدون كره وسلموا أمرهم لله (عزّ وجلّ)، وخير ما نختم به هو ما قاله إمامنا الصَّادِق (عليه السَّلَام): (وإنا أهل بيت نجزع قبل المصيبة بالتضرع إلى الله تعالى لأن يرفع البلاء مشروطا بالرضا حسب أمر الله تعالى ولولاه لما دعونا أيضا، فإذا نزل أمر الله تعالى رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره وليس لنا ولأحد أن يكره ما أحب الله تعالى له من البلاء والرخاء)[8].
والحمد لله رب العالمين...
الهوامش
[1] ينظر: مناسك الحج، السيد الگلپايگاني (زيارة إبراهيم بن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): 227.
[2] مروج الذهب، المسعودي: 3/290، السيرة النبويّة، ابن هشام:1/202، إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي: 148.
[3] ينظر: السيرة الحلبية، الحلبي: 3/311; بحار الأنوار، المجلسي: 22/157.
[4] الوسائل باب (87) من أبواب الدفن حديث: 3 – 4.
[5] التوحيد، الشيخ الصدوق: 395.
[6] الكافي، الكليني: 3/208-209.
[7] مسكن الفؤاد، الشهيد الثاني: 94.
[8] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول): 1/479.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3652 Seconds