الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي جعل البلايا تمييزا للطيبين عن الخبيثين، ونكالا للظالمين، وجعل تقلبات الأحوال اختبارا لطويات الرجال، فمن دار فناء وزوال، قد ملئت بالهموم والغموم، وعجت بالمحن والآلام، إلى ارتحال وانتقال، وصلى الله على أشد الناس ابتلاء، وأكثرهم صبرا على الإيذاء، وأوفرهم شكرا على ما جرى به القضاء، محمد وآله الأوصياء الأصفياء.
لو تأمل الإنسان الى ما يصيبه من بلاء الدنيا؛ فهو قطرة من بحر مقارنة ببلاء الآخرة بدليل ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام)، في دعاء كميل: (وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها، وَما يَجْرِي فِيها مِنَ المَكارِهِ عَلى أَهْلِها، عَلى أَنَّ ذلِكَ بَلاٌء وَمَكْروهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ، يَسِيرٌ بَقاؤهُ قَصِيٌر مُدَّتُهُ...)[1].
ولو تمعن الناظر بين نوع الذنب والبلاء الذي يترتب عليه؛ فإن بدرت منه معصية أو زاول المجتمع أنواع الفساد وأصابته بعض الحوادث المريرة فإنّ ذلك عقاباً وهو من باب اليقظة للغافلين؛ أمّا الحوادث التي تطال الصالحين فهي تمحيص يهدف إلى رفع مقامهم، قال الإمام علي (عليه السلام): (إذا رأيت الله سبحانه يتابع عليك البلاء فقد أيقظك، وإذا رأيت الله سبحانه يتابع عليك النعم مع المعاصي فهو استدراج لك).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لَو كانَ الإِنسانُ لا يُصيبُهُ ألَمٌ ولا وَجَعٌ، بِمَ كانَ يَرتَدِعُ عَنِ الفَواحِشِ ويَتَواضَعُ للهِ ويَتَعَطَّفُ عَلَى النّاسِ؟ أما تَرَى الإِنسانَ إذا عَرَضَ لَهُ وَجَعٌ خَضَعَ وَاستَكانَ، ورَغِبَ إلى رَبِّهِ فِي العافِيَةِ وبَسَطَ يَدَيهِ بِالصَّدَقَةِ؟)[2].
فما يصيب الإنسان في دنياه من أوبئة وأمراض أو أي بلاء آخر فهو دليل على وجود ابتعاد عن طاعة الله (عز وجل) ليصحى الناس من غلفتهم؛ يقول الإمام علي (عليه السلام): (إنَّ الله يَبْتَلِي عِبَادَه عِنْدَ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ تَائِبٌ، ويُقْلِعَ مُقْلِعٌ ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ويَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ)[3].
ثم استنتج الإمام (عليه السلام) نتيجة فقال: (وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهمْ، وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَ شَارِدٍ، وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدِ)
الوقاية من الأوبئة والأمراض
فعندما يصف الطبيب للمرضى علاجا لمرض ما وتكون نتيجة العلاج إيجابية فبالمقابل لابد من شكر الطبيب والدعاء له؛ فكيف بالطبيب الرباني الذي يزيل البلاء في طرفة عين ويقيهم من الأوبئة والأمراض بشتى أنواعها ويرى أنّ الدعاء إن كان صادقاً وخارجاً من أعماق القلب بمعنى تحدث حالة من التغيير لدى الإنسان فإنّه يدفع البلاء كما ورد ذلك في العديد من الروايات، ومنها ما روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنّه قال: (الدُّعاءُ يَدْفَعُ الْبَلاءَ النَّازِلِ وَمَا لَمْ يَنْزِلْ)[4].
وقال أبو الحسن موسى (عليه السّلام): (عليكم بالدعاء فإن الدعاء والله والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلا إمضاؤه فإذا دعي الله وسئل صَرْف البلاء صرفه)[5].
وقال أبو عبد الله (عليه السّلام): (هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا ألهم أحدكم الدعاء عند البلاء؛ فاعلموا أن البلاء قصير)[6].
وهناك أمور عبادية قد يأتي الفرد بها لمجرد ترتب آثارها الوضعية، كالدعاء للمريض بقصد الشفاء أو الصدقة بقصد دفع البلاء ونحو ذلك[7]، فالتوجه الى الله في دفع البلاء أولى، فمتى اشتد الفزع فإلى الله المفزع، وهو وحده سلاح المتقين، والحمد لله رب العالمين وصل يا رب على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
[1] مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي: 129.
[2] موسوعة الأحاديث الطبية، محمد الريشهري: 1/96.
[3] نهج البلاغة، تحقيق (صبحي الصالح: الخطبة: 143.
[4] الوافي، الفيض الكاشاني: 9/1478.
[5] المصدر نفسه.
[6] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول): 12/34.
[7] ينظر: ما وراء الفقه، السيد محمد الصدر: 1/377.