شهادة الإمام مُحَمَّد بن عَلِيّ الجَوَاد (عليهما السَّلَام)

مقالات وبحوث

شهادة الإمام مُحَمَّد بن عَلِيّ الجَوَاد (عليهما السَّلَام)

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-07-2020

هُشَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِي

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...
تمرّ على المؤمنين الموالين لآل بيت الرَّسول (صلَّى الله تعالى عليه وآله) العديد من المناسبات التي تختص بأئمَّتهم (عليهم السَّلَام) الأطهار، فمنها ولاداتهم الميمونة ومنها شهاداتهم الحزينة (عليهم السَّلَام).
فمن المناسبات المؤلمة التي تمر على موالي وشيعة آل البيت (عليهم السَّلَام)، هي: مناسبة شهادة جواد الأئمَّة (عليهم السَّلَام) الإمام مُحَمَّد الجَوَاد بن الإمام عَلِيّ الهَادِيّ (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام).
لمحة من حياته (عليه السَّلَام) الاجتماعيَّة:
ولادته (عليه السَّلَام):
وُلد الإمام الجواد (عليه السَّلَام) من الأسرة النبوية، وهي أشرف وأجلّ وأسمى الأسر التي عرفتها البشرية.
فهو ابن الإمام عَلِيّ الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جَعْفَر الصَّادق بن الإمام مُحَمَّد الباقر بن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وابن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليهم السَّلَام)[1].
وأمّه (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أمّ ولد، يقال لها: سبيكة، نوبية، وقيل أيضاً: إنّ اسمها كان خيزران، وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتدعى درّة وكانت مرّيسية، ثمّ سمّاها الرّضا خيزران، ويقال: ريحانة، وتكنّى أمّ الحسن، وقيل: سكينة المرسيّة[2].
من دلائل إمامته وكراماته (عليه السَّلَام):
فمن كراماته (عليه السَّلَام) ما روي عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: (دخلت على أبي جَعْفَر الثَّانيّ – الإمام مُحَمَّد بن عَلِيّ الجَوَاد- (عليه السَّلَام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عَلَيّ فاغتممت لذلك، فتناول [(عليه السَّلَام)] إحداهنَّ وقال: ((هذه رقعة ريان بن شبيب))، ثم تناول الثَّانية فقال: ((هذه رقعة مُحَمّد بن حمزة))، وتناول الثالثة وقال: ((هذه رقعة فلان))، فبهت فنظر إلي وتبسَّم (عليه السَّلَام))[3].
شهادة (عليه السَّلَام) والفاجعة العظيمة:
إن من الأسباب التي استشهد الإمام الجواد (عليه السَّلَام) بسببها، هي: أن وجوده (عليه السَّلَام) كان يشكل خطرًا على السّلطة العبَّاسيَّة الحاكمة آنذاك، وذلك لما له من دورٍ قياديٍّ وتوعوي للأمة الإسلامية، فقام المأمون (لعنه الله تعالى) بإشخاص الإمام أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ الجَوَاد (عليهما السَّلَام) إلى بغداد بعد شهادة أبيه الإمام عَلِيّ بن موسى الرّضا (عليه السَّلَام)، وقام بتزويجه بابنته أم الفضل، ثم رجع إلى المدينة وهي معه فأقام بها، وكانت أم الفضل تحسد سمانة أم الإمام الهمام عَلِيّ بن مُحَمَّد (عليهما السَّلَام)، فكتبت إلى أبيها المأمون (لعنه الله) من المدينة تشكو أبا جعفر مُحَمَّد بن عَلِيّ الجَوَاد (عليهما السَّلَام) وتقول: إنّه يتسرى عَلَيَّ ويغيرني إليها...)[4]، فكانت هذه (لعنها الله تعالى) لم تطِق حبّ الإمام الجواد (عليه السَّلَام) لأم ولده عَلِيّ الهاديّ (عليه السَّلَام)، فقامت بارتكاب الجريمة النكراء بسمّه (عليه السَّلَام).
تحريض أم الفضل في سمّ الإمام (عليه السَّلَام):
أقام الإمام الجواد في المدينة حتى هلك المأمون، وبويع المعتصم بن هارون في اليوم الذي كانت فيه وفاة المأمون، وانصرف المعتصم إلى بغداد فجعل يتفقد أحوال الإمام الجواد (عليه السَّلَام)، وكان المعتصم يعلم انحراف أم الفضل عنه وشدّة بغضها لابن الرِّضا (عليهما السَّلَام).
 فكتب إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات أن يرسل إليه محمّداً التقي وزوجته أم الفضل بنت المأمون (لعنهما الله)، فأرسل ابن الزيّات علي بن يقطين إليه؛ فتجهّز الإمام وخرج من المدينة إلى بغداد وحمل معه زوجته ابنت المأمون.
ويروى أنَّه لمَّا خرج الإمام الجَوَاد (عليه السَّلَام) من المدينة خرج حاجّاً، وأمَّا ابنه أبو الحسن عَلِيّ الهَادِيّ (عليه السَّلَام) فخلّفه في المدينة وسلم إليه المواريث والسلاح، ونصَّ عليه بمشهد ثقاته وأصحابه وانصرف إلى العراق، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين.
ولما انصرف أبو جعفر (عليه السَّلَام) إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون الحيلة في قتله، فقاموا بتحريض أم الفضل ابنة المأمون في قتل الإمام (عليه السَّلَام)، وذلك لأنَّ المعتصم (لعنه الله تعالى) كان يعلم ببغض أم الفضل (لعنها الله تعالى) وكرهها للإمام الجَوَاد (عليه السَّلَام)، ووقف على انحرافها عن الإمام الجَوَاد (عليه السَّلَام) وغيرتها من زوجته أم أبي الحَسَن عَلِيّ الهَادِيّ (عليه السَّلَام) ابنه، فطلب جعفر من أخته أم الفضل في دس السم للإمام (عليه السَّلَام)، فأجابت أخاها جعفراً (لعنهما الله تعالى) وجعلا سمّاً في شيء من عنب رازقي - وكان (عليه السَّلَام) يعجبه العنب الرازقي - فلما أكل (عليه السَّلَام) منه ندمت (لعنها الله تعالى) وجعلت تبكي، فقال لها [الإمام مُحَمَّد الجَوَاد (عليه السَّلَام)]: ((ما بكاؤك؟ والله ليضربنَّك الله بفقرٍ لا ينجبر، وبلاء لا ينستر))، فبليت (لعنها الله) بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتقض في كل وقت، فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى رفد الناس، وتردَّى جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكران[5].
وكان استشهاده (عليه السَّلَام) فاجعة أليمة وحزنًا كبيرًا لا يوصف جرى على الأمة الإسلامية، فقد انطوت بفقده صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية، وكان هذا في سنة 220 هجرية في بغداد إبَّان أوائل حكم المعتصم العبَّاسيّ (لعنه الله)[6].
تشييعه (عليه السَّلَام) ودفنه وموضع قبره:
بعد شهادته (عليه السَّلَام) تمَّ تجهيز جَسَده الطَّاهِر (عليه السَّلَام) كالتغسِيل والتَّكفين، وقام شيعته ومحبيه بتشييعه وحمله (عليه السَّلَام) إلى مقابر قريش، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله؛ إذ ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للإمام الجواد (عليه السَّلام)، وحُفِر للجَسَد الطَّاهِر قبرًا ملاصقًا لمرقد جدِّه العظيم الإمام موسى بن جعفر (عليهما السَّلام) في شمال بغداد بمنطقة كانت تسمى مقابر قريش، وتسمى مدينة الكاظمية حاليًّا.
فسلامٌ عليكم يا آل بيت النّبوَّة ومعدن الرِّسالة منّي عن جميع المؤمنين، يوم ولدتم ويوم اُستشهدتم ويوم تُبعَثُون أحياء، ولعن الله تعالى قاتليكم ما بقيت وبقي الليل والنَّهار، إنَّه سميعٌ علِيم...

الهوامش:
[1] إعلام الورى بأعلام الهُدى، الشيخ الطبرسي: 2/91.
[2] قادتنا كيف نعرفهم، السَّيّد محمد هادي الميلاني: 4/283.
[3] إعلام الورى بأعلام الهُدى، الشيخ الطبرسي: 2/98.
[4] قادتنا كيف نعرفهم: 4/312.
[5]  المصدر نفسه: 4/313-315.
[6] الأئِمَّة الاثني عشر (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، الشيخ السبحاني: 159.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3186 Seconds