علي فاضل الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه نبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد..
فأمير المؤمنين (عليه السلام) سعى منذ توليه الخلافة الى الاتجاه بتوسيع الجهود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاهتمام بالإشراف على الجيوش وإصلاح المنظومة العسكرية باختيار القادة والأمراء الصالحين لها: أمثال قيس بن سعد بن عبادة، ومالك الاشتر، وغيرهم من الصحابة والتابعين (رضوان الله تعالى عليهم).
ومن جملة ما صنع (عليه السلام) في المنظومة العسكرية أنَّه عمد إلى جمع الخيرة من الصحابة وتأسيس ما يسمى بـ (شرطة[1] الخميس[2]).
ولبيان هذا التشكيل العسكري يروي الكشي أنه قيل للأصبغ: كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح، يعني أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)[3]. وأمَّا مهام هذه الفرقة العسكرية من صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) فكانت تنصبُّ على مبايعته (عليه السلام) على الموت، ولا يرجعون إلَّا غالبين، وهم أُناس من الأبطال يعلمون أنفسهم بعلامات، وكان عددهم ستّة آلاف رجل.
وقال علي بن الحكم: أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذين قال لهم: (تَشَرَّطوا، إنّما أشارِطكم على الجَنّة، ولست أُشَارِطكم على ذهب ولا فضّة، إنَّ نبيًّا قال فيما مضى: تَشَرّطوا فإنِّي لست أُشَارِطكم إلَّا على الجنَّة)[4].
وعليه:
فإنَّنا يمكن أن نستنتج أن أولئك الصحابة جمعت فيهم صفات عدة: كالصمود وعدم الميل عن الحق والصحبة والشجاعة والعلم والحلم والإيمان بقضية الإمام علي (عليه السلام)، وكذلك عملوا على نشر مشروعه وتعريف الناس بمنزلته ومنزلة أهل بيته وما جرى عليه من ظلمٍ وحيف، وقد لاقت هذه الثلة الكريمة في سبيل ذلك ما لاقت من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتلٍ وتشريدٍ نفيٍ عن الديار؛ ولكنَّهم لم يأبهوا لذلك، ولم يستكثروه لإيمانهم بقضيتهم، وعلمهم بوعورة طريق الحق وقلة سالكيه.
الهوامش:
[1] الشرطة بالسكون والحركة أول كتيبة تحضر الحرب وخيار جند السلطان ونخبة أصحابه الذين يقدّمهم على غيرهم من جنده، وهم الأمراء، والجمع شرط مثل غرفة وغرف، والشرطي بالسكون والحركة منسوب إلى الشرطة لا إلى الشرط لأنه جمع. (شرح أصول الكافي، المازندراني: 6/286).
[2] الخميس: الجيش سمي به؛ لأنَّه ينقسم على خمسة أقسام، المقدمة، والساقة، والميمنة والميسرة، والقلب - والشرط الأقوياء الذين يتقدمون الجيش كأنهم شرطوا على عدم الرجوع حتى يفتحوا أو يقتلوا (روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي: 6/75).
[3] اختيار معرفة الرجال: 1 / 321، الرقم: 165.
[4] ينظر: خاتمة المستدرك: ميرزا النوري الطبرسي: 7/306.