بقلم أحمد المعمار
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللَّعن الدَّائِم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين...
قال الإمام الحسين (عليه السَّلَام): (من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى)([1]).
نصرة المظلوم أمر فطري لدى كل إنسان له مشاعر وأحاسيس حقيقية، وخيرُ مثالٍ على مواقف النصرة الحقيقية على مدار التاريخ هم أصحاب مولانا الإمام الحسين عليه السلام وفي هذا النص من الإمام عليه السلام نتعرف على المواصفات المطلوبة في الصحابي الذي يكون أهلاً لأن يلقب بهذا اللقب وأول هذه المواصفات:
(باذلا فينا مهجته)، أي: من وصل إلى مرحلة أن يسترخص مهجته أي نفسه فداء للإمام المعصوم المفترض الطاعة والمرسل من قبل الله تعالى كما صنع أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في المبيت على فراش النبي الأكرم (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وكان قاب قوسين أو أدنى من الشهادة فداء له.
(وموطنا على لقاء الله نفسه)، أي: متهيأ في كل الأوقات إلى لقاء الله سبحانه ومخالفا لنفسه وقد وصل إلى مرحلة عالية من الكمال والتقوى والورع والبصيرة, ونجد أن أصحاب الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) خير من توفرت فيهم الصفات المطلوبة وكان قتالهم مع الإمام الحُسَين عليه السلام نابعا عن عقيدة خالصة، رجال امتحن الله قلوبهم بالإيمان فلم يكن دافعهم لنصرة إمامهم الشهيد عليه السلام لعصبية قبلية أو لأغراض نفعية بل إنهم دخلوا الحرب وهم يعلمون أنهم سينالون الشهادة وتيقنت أنفسهم بالموت مع سيد الشهداء (عليه السَّلَام) فقد أوقفهم (عليه السَّلَام) على مصيرهم معه بقوله: (خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأكرشةً سغباً لا محيص عن يوم خُط بالقلم)
حتى قال (عليه السَّلَام):
(فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي) وهذا النص الشريف يدل على أن أصحاب سيد الشهداء أفضل من أصحاب النبي والإمام أمير المؤمنين والإمام الحَسَن (صلوات الله عليهم)، لأنَّه ثبت تاريخيا أن بعض أصحاب النَّبيّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) آذوه وآذوا فَاطِمَة وعَلِيًّا والحَسن (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام)، ولكن أصحاب الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) لم يخذلوه، بل ناصروه وبذلوا أنفسهم ومع علمهم بأنهم سيتشهدون ومع إعطاءهم فرصة النجاة من الإمام رغم ذلك أصروا على النصرة لعلمهم بالحصول على السعادة الأبدية في رفقة سيد الشهداء عليه السلام في جميع العوالم ونعرض بعض أجوبة هؤلاء الرجال المخلِصين والمخلَصين عندما خيرهم سيد الشهداء (عليه السَّلَام) بين البقاء معه وبين أن يرحلوا عنه:
أخوته وبنوا عمومته عقيل وجعفر وبنو أخيه وأبناؤه وأهل بيته وفي مقدمتهم قمر بني هاشم أبي الفضل العبَّاس (عليه السَّلَام): (لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبداً ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك)([2]).
مسلم بن عوسجة: (أنحن نخلي عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك، أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك)([3]).
سعيد بن عبد الله الحنفي: (والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمت إني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً)([4]).
زهير بن القين: (والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)([5]).
نافع بن هلال الجملي: (ثكلتني أمي إن سيفي بألف وفرسي مثله فوا الله الذي منَّ بك عليّ لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري)([6]).
برير بن خضير: (يا ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة)([7]).
جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري : (أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ؟ ...لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم)([8]).
الحر بن يزيد الرياحي التميمي: (إني أخير نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنة شيئاً ولو أُحرقت)([9]).
هذه هي الأنفس التي رفضت أن تكون أداة طيعة بيد سلطان الجور وآثرت الموت بكرامة على حياة الذل والهوان وعشقت الشهادة بين يدي سيد الشهداء (عليه السلام) لتبقى دماؤها مناراً ينير للأجيال طريق الحرية ولتبقى شمس الإسلام مشرقة على أرجاء المعمورة.
الهوامش:
([1]) العوالم، الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، الشيخ عبد الله البحراني: 217.
([2]) الإرشاد: 2/ 92.
([3])الإرشاد: 2/ 92، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 485.
([4]) شرح إحقاق الحق: 27/ 146.
([5]) الإرشاد: 2/ 92.
([6]) مقتل الحسين عليه السلام: المقرم: 219.
([7]) اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس: 48.
([8])موسوعة كلمات الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام): 544.
([9])العوالم، الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، الشيخ عبد الله البحراني: 254.