من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): عقد الإمامة عند العامة

مقالات وبحوث

من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): عقد الإمامة عند العامة

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-03-2021

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
حصر القلقشندي[1] طرق عقد الإمامة عند السنة في ثلاث:
الأولى: في انعقاد الإمامة باجتماع أهل الحل والعقد واتفاقهم على عقدها فيمن يستجمع شروطها «وعلى ذلك كانت خلافة أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله»[2].
الثانية: تنعقد الإمامة لشخص الإمام بعهد من الإمام الذي قبله «والأصل في ذلك ما رويأنه لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه»[3] عهد بالإمامة من بعده لعمر فصحت بيعته.
الثالثة: تنعقد الإمامة «للمتغلب عليها بالقهر والاستيلاء إذا جمع شرائطها من غير عهد إليه ولا بيعة، وجوز أصحاب الشافعي امامة المتغلب وان كان فاسقاً»[4].
أما الشيعة الإمامية فيرون «ان الإمامة... من جملة ما هو أعظم أركان الدين وان الإيمان لا يثبت بدونها»[5] لذلك لا يجوز على الخالق اسنادها لاختيار المكلفين «لأن القصد من نصب الإمام، امتثال الخلق لأوامره ونواهيه، والانقياد إلى طاعته، وسكون ثائرة الفتن ولإزالة الهرج والمرج، وإبطال التغلب والمقاهرة»[6]، فلو أسند الاختيار إلى المكلفين لتدخلت الأهواء وتغلبت المصالح الذاتية مما يتنافى والقصد من الإمامة لذلك «ذهبت الإمامية كافة إلى ان الطريق إلى تعيين الإمام أمران:
ـ النص من الله تعالى أو نبيه، أو إمام تثبتت إمامته بالنص.
ـ ظهور المعجزات على يده لأن شروط الإمامة العصمة، وهي من الأمور التي لا يعلمها إلا الله تعالى»[7].
وفكرة المكانة الدينية العالية في نيابة الإمام عن الرسول صلى الله عليه وآله في حمل العباد على النهج القويم، لم تكن مقصورة على الشيعة، فقد وردت عند ابن خلدون عن مكانة الخليفة «إن الله سبحانه إنما جعل الخليفة نائباً عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم على مضارهم»[8]، فابن خلدون وان لم يقر بمقولة الشيعة (بالنص) إلا أنه يعطي للخليفة مكانة قدسية في نيابته عن الله في خلقه، وهو بذلك يدحض زعم القائلين ان فكرة الشيعة في الإمامة غريبة عن روح الإسلام[9]، لكونها تقول بمنزلة الخليفة الدينية التي ـ فيما نعتقد أيضاً تتفق مع ما ورد عند الماوردي، بأن «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»[10]، والاختلاف ينحصر أساساً في طريقة تعيين الإمام، إذ يتمسك السنة بالجانب الدنيوي المتمثل في اختيار العباد، على الرغم من انهم يقولون بأن الإمامة منصب ديني ودنيوي، بينما يرى الشيعة أن الناس مهما بلغت بهم المعرفة والعلم، فإنهم ليسوا في مستوى الاختيار النزيه البعيد عن الميل إلى جانب دون الجانب الآخر، لما في الطباع البشرية من ميل نحو المصالح الشخصية والمكاسب المادية، وجنوح نحو الأثرة والأنانية، لذلك فإن من لطف[11] الله بالعباد فقد أوجب النص على الإمام ليكون حجة عليهم أمام الله،   وقد تعرض الإمام علي عليه السلام إلى معظم آراء انعقاد الإمامة في ثنايا خطبه ورسائله، اما على سبيل الاحتجاج على خصومه السياسيين، وأما لتوضيح وجه نظره التي يؤمن بها ويتبناها وهي هذه[12].

الهوامش:
[1] اخترنا القلقشندي: مآثر الانافة 1/39 وما بعدها لحصره جميع الآراء التي قيلت في الموضوع تقريباً، ولأن السابقين عليه قد حصروا العقد في طريقتين، كما نص على ذلك عبد القاهر البغدادي في (أصول الدين 279) إذ قصره على النص أو اختيار أهل الحل والعقد، وكذلك فعل الماوردي في (الأحكام السلطانية ص6) وما بعدها، وقد تحدث ابن خلدون في المقدمة ص 262 عن ولاية العهد، ولم يتطرق لشرط اختيار أهل الحل والعقد، وذلك على أساس انه شرط مفروغ من صحته وثباته، وذلك لأنه قد ذكره عند المبادرة إلى بيعة أبي بكر في فصل (اختلاف الأمة في حكم منصب الإمامة وشروطه) المقدمة ص239. اما عن القهر والاستيلاء فقد ضمنه فصل (انقلاب الخلافة إلى ملك) المقدمة ص 253.
[2] مآثر الانافة 1/40، 48.
[3] السابق.
[4] السابق 1/58.
[5] المطهر الحلي: الألفين 36.
[6] السابق ص 38.
[7] المطهر الحلي: نهج الحق وكشف الصدق 168.
[8] المقدمة 245.
[9] يقول خالد محي الدين، في الدين والاشتراكية ص61: «إننا إذا استعرضنا كل التيارات الفكرية، والفرق الإسلامية لم نجد غير الشيعة الإمامية الذين يمكن ان يقترب فكرهم حول (الإمامة) من نظرية الحق الإلهي، فهم يرون اقامة (الإمام) واجباً على الله وليس واجباً على الناس، وان الله قد حدد اشخاص الأئمة، وان الرسول قد اوصى بذلك في (علي عليه السلام) وبينه، ونحن نتفق معه في كل ما جاء به من عقائد الشيعة في الإمامة ونتفق معه أن المذاهب الأربعة ومعظم الفرق الإسلامية ترفض القول بالوصية في علي عليه السلام وأولاده، مع أنها تقر بوصية أبي بكر في عمر، ولكننا لا نتفق معه في أن الشيعة الإمامية يقولون بأن الخليفة «نائب الله» لأنه يناقض ما جاء عندهم ان «الإمامة عبارة عن خلافة شخص من الاشخاص للرسول صلى الله عليه وآله في اقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على الأمة كافة ـ الالفين ص 12». أما تفسيره لقول الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾  بإضافة «من أمور الدين» إلى الآية، فهو فيما نعتقد عدم ادراك من الباحث ان القرآن الكريم لم يقتصر على العبادات التي كان يقصد بها (امور الدين) ولكنه كتاب تشريع وعبادة وانكاره ذلك لا يغير من كلون الإسلام بعيداً كل البعد عن الاسقاطات الايديولوجية الحديثة من اشتراكية وغيرها من اطروحات حاول الكاتب الباسها ثوب الإسلام، ومقولة ان الخلافة ظل الله التي نسبها الاستاذ إلى الشيعة هي من ابتكار بعض الخلفاء السنة الذين حاولوا الباس خلافتهم صبغة دينية ويمكن مراجعة مثل ذلك المعنى فيما جاء على لسان زياد بن ابيه في خطبته البتراء ـ العقد الفريد 4/112، وما أثر عن أبي جعفر العباسي ـ العقد الفريد 4/99. اضافة إلى ذلك فإنه لم يؤثر مثل هذا القول عن علي عليه السلام أو عن الأئمة الإثني عشر كما لم يقل فقهاؤهم بأن الإمام نائب الله في الأرض، بل قالوا فيما نعتقد نائب للرسول.
[10] الأحكام السلطانية ص 5.
[11] اللطف في عرف المتكلمين ما يقرب من الطاعات وبيعد عن المعاصي، ولا حظ له في التمكين ولا يبلغ الايجاد لمنافاة التكليف... وهو من المصطلحات التي يعول عليها الشيعة، راجع: مجمع البحرين 5/120.
[12] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 179 – 183.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2344 Seconds