بقلم: السيد نبيل الحسني.
قد بدى مما مضى أن : ( أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] ، كانا في الأنصـار، فدفـن قبـل أن يرجعا)(1) ؟!
فأين كان الأنصار .. وما هو ذلك الحدث الذي رجح بعظمته فوق عظمة سيد الخلق .. وما هو ذلك الأمر الذي استحق هذا الاهتمام البالغ ليفوق اهتمامهم بمواراة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) !!؟
فهل علمت الصحابة بدفن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشهدت ذلك ؟
إن هذه الأسئلة تبحث عن أجوبة ... والأجوبة تستلزم البحث والمناقشة حتى يرجح الدليل .. ولكن إن رجح الدليل فهل للباحث أن يأخذ به !؟
هذا منوط بأنصاف الباحث وتحرره من الميول النفسية .
وعليه :
فقد أشارت الروايات إلى جملة من الأمور، منها :
أولاً : إنّ الأنصار لما علموا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انحازوا بأجمعهم إلى سقيفة بني ساعدة ، منزل سعد بن عبادة )(2).
ثانياً : وصول الخبر باجتماع الأنصار في السقيفة إلى أبي بكر وعمر تحديداً !؟ والذي جاءهم بخبر الاجتماع ( معن بن عدي وعويم بن ساعدة ) ، فقالا لأبي بكر : ( باب فتنة أن يغلقه الله بك، هذا سعد بن عبادة والأنصار يريدون أن يبايعوه )(3).
وقيل : إن الذي جاءهم بالخبر هو ( أسيد بن حضير )(4) ، فقال : (إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة قد انحازوا إليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة . فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم الأمر ؛ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته لم يفرغ أمره ، وقد أغلق دونه الباب أهله )(5) !!
إذن :
هكذا كان حال الأنصار في يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمعوا في السقيفة يريدون البيعة لسعد بن عبادة ! ولكن:
لماذا عزموا على هذا الأمر ، ولماذا البيعة لسعد بن عبادة دون غيره ، وما هي الأسباب التي دعتهم إلى هذا الاجتماع لحظة الفاجعة العظمى، وبدن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يبرد بعد !؟
ولكن -مرة أخرى- ما هو حال المهاجرين .. هل شهدوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
أما المهاجرون فقد أشارت الروايات إلى أنهم كانوا في هذا الوقت فئتين ، فئة عند حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(6) وهم بنو هاشم(7) ومن لحق بهم(8).
وأما غيرهم فبين مفجوع وبين غير مصدق لما حدث من خبر الوفاة ، أو خبر الاجتماع في السقيفة وما جرى فيها من أحداث وخطوب ، أو للخبرين معاً . !!
يقول البرّاء بن عازب: ( فلما صنع الناس ما صنعوا(9) أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من حزن لوفاة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ، فجعلت أتردد وأرمق وجـوه الناس ، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغسله وتحنيطه )(10). ولم يكن كبار الصحابة ورموزهم يشاركون أهل البيت(عليهم السلام) الحضور في تجهيز النبي(صلى الله عليه وآله) ودفنه، فقد شغلوا بأمر آخر طغى على أهتمامهم بهذا الحدث فما هو؟
يتبع في الحلقة القادمة[11]
الهوامش:
(1) المصنف لأبن أبي شيبة : ج7 ص432 برقم (17046) .
(2) صحيح البخاري : كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنا .. ج8 ص26 أفست دار الفكر ، سمط النجوم العوالي للعاصمي : ج2 ص244 ط المكتبة السلفية بالقاهرة ، السيرة لابن هشام : ج4
ص226 ط دار الجيل ، النهاية لابن الأثير : ج3 ص466 ط بيروت ، تاريخ الطبري : ج3 ص205 ، الكامل لابن الأثير : ج2 ص327 ، الصواعق لابن حجر : ص5-8 ط الميمنية ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص67 ، السيرة الحلبية : ج3 ص360-263 ، الرياض النضرة : ج1 ص161 .
(3) العقد الفريد لابن عبد ربه : ج4 ص257-258 ط دار الكتاب العربي ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص160 ، أنساب الأشراف للبلاذري : ج2 ص7 ، الرياض النضرة للطبري : ج2 ص204 .
(4) هذا الرجل أحد الذين جمعوا الحطب على باب بضعة النبي صلى الله عليه وآلـه
وسلم ، راجع : سمط النجوم : ج2 ص245-246 .
(5) سمط النجوم : ج2 ص244 ط المكتبة السلفية .
(6) العقد الفريد لابن عبد البر : ج4 ص257 ط دار الكتاب العربي ، أنساب الأشراف :ص 220 .
(7) كتاب سليم بن قيس : ص25 ط مؤسسة البعثة .
(8) وهم : (( عمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، سلمان الفارسي ، المقداد بن الأسود )) ، وقد جمع كثير من الرواة بين هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وبين غيرهم من الصحابة الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر .
في حين أن الأمر اقتصر على بني هاشم خاصة فهم الذي شهدوا دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سيمر علينا بيانه .
(9) القول الذي أخرجه سليم بن قيس : (( فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر )) .
(10) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : ج1 ص73 وفي ج2 ص132 ط مصر ، كتاب سليم بن قيس الهلالي : ص25 ط مؤسسة البعثة .
(11) لمزيد من الاطلاع ، ينظر: وفاة النبي (صلى الله عليه واله) وموضع روضته وقره بين أختلاف أصحابه واستملاك أزواجه ، تأليف السيد نبيل الحسني، أصدار ونشر العتبة الحسينية المقدسة – قسم الشؤون الفكرية ط1 مؤسسة الاعلمي-بيروت لسنة 2014م