ثانيًا: موقف الإمام علي عليه السلام من تصرف عثمان في الأموال العامة.
بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
اما من حيث السياسة المالية، فقد تصرف عثمان وولاته باموال المسلمين تصرفاً لم يؤثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولا عن الشيخين من بعده من ذلك انه أعطى «عبد الله بن خالد بن اسيد صلة مقدارها أربعمائة الف، وتصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمهزور ـ موضع سوق بالمدينة ـ على المسلمين، فأقطعها الحارث بن الحكم ـ اخا مروان ـ واقطع فدك مروان وهي صدقة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وافتتح افريقية وأخذ خمسه فوهبه لمروان»[1] كما اعتبر سعيد بن العاص ـ والي عثمان على العراق ـ ما افاء الله على المسلمين من ضياع لقريش وحدهم وذلك في قوله في جمع من قراء الكوفة «السواد بستان قريش، فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركناه»[2]، لذلك لم يكن بوسع علي(عليه السلام) ولا غيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يسكتوا عن هذه السياسة بعد ان زكمت الأنوف رائحتها، وانتشر التبرم منها بين عامة المسلمين، فاول من وجه اللوم لعثمان على تلك السياسة عبد الرحمن بن عوف الذي بايع له بالخلافة، فدخل عليه معاتباً بقوله «انما قدمتك على ان تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر، فخالفتها وحاببت أهل بيتك، وأوطأتهم رقاب المسلمين، فقال: ان عمر كان يقطع قرابته في الله وانا أصل قرابتي في الله، قال عبد الرحمن: لله علي الا اكلمك أبدا»[3]. فإذا كان موقف عبد الرحمن بن عوف من سياسة عثمان موقفاً سلبياً اتخذ جانب السكوت والمقاطعة، فإن علياً (عليه السلام) لم يجد في ذلك ما يعود على اللأمة بالصلاح، وعلى الخليفة بالرشاد، فاتبع أسلوباً ناقداً، مما ادى في كثير من الأحيان إلى المجابهات الكلامية بينه وبين عثمان الذي لم يفلح في اسكاته بإغرائه المال[4].
فنقد علي (عليه السلام) لسياسة عثمان عامة وسياسته المالية على وجه الخصوص، نابع من مبدأ اسلامي هو لب السياسة الإسلامية والمرتكز الذي تعتمد عليه في بناء شخصية الفرد المسلم ذي الفكر الحر، فيقول الحق بصراحة وصدق دونما رهبة ولا رغبة، ذلك هو مبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[5].[6].
الهوامش:
[1] ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/284.
[2] راجع تاريخ الطبري 4/323، ابن الاثير: الكامل في التاريخ 3/70، ابن أبي الحديد 3/21.
[3] العقد الفريد 4/280.
[4] راجع الزبير بن بكار: الأخبار الموفقيات ص 612، فقد تحدث عما عرضه عثمان على علي (عليه السلام) من مال في سبيل ارضائه ورفض علي (عليه السلام) ذلك المال، وما قام به عثمان تجاه علي (عليه السلام) حين رفضه.
[5] راجع ص 368-369 من هذا البحث.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 231 – 232.