بقلم: د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي
الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر لله شكر الذاكرين، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد.
وبعد:
أن يكون متبعاً لأوامر الله تعالى :
«واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها»[1].
ولاشكَ أنّ أمر الإمام علي (عليه السلام) لمالك (رضي الله عنه) ولكل الولاة باتباع فرائض الله تعالى، لكي تكون حياتهم امتداداً لتلك الفرائض وتعبيراً عن عبوديتهم لله تعالى وتطبيقاً لما في تلك الفرائض من مفاهيم الإستعانة بالله والثقة به. وهنا يرسم الإمام علي (عليه السلام) لولاته طريق العلاقة بالله تعالى، ليكون الوالي على صلة دائمة مع الله تعالى فيتجنب الزلل أو الانحراف عن طريق الحق عبر استشعاره المستمر بوجود الرقيب معه.
وقد بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهمية أداء الفرائض: «قال إن الله تعالى يقول: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه)»[2].
كما بين الإمام علي (عليه السلام) المقصود بالفرائض فقال: «أما ما فرضه الله سبحانه في كتابه فدعائم الإسلام، وهي خمس دعائم: وعلى هذه الفرائض الخمس بُني الإسلام، فجعل سبحانه لكل فريضة من هذه الفرائض أربعة حدود لا يسع أحدا جهلها، أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية، وهي خاتمتها والجامعة لجميع الفرائض والسنن»[3].
وقد اعتبر أداء الفرائض من أفضل العبادات فقال: «لا عبادة كأداء الفرائض»[4].
ومن كلام للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بين فيه ما أراد الله تعالى بفرض الفرائض يقول به: «إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه لا إله إلا هو عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية»[5].
وأداء الراعي لفرائض الله هو بمثابة الإعداد المعنوي له.
وأهم الفرائض المُقَرِّبة إلى الله تعالى، عدل الراعي في رعيته كما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل»[6].
ومن المؤكد إنّ الأنموذج الأمثل بالعدل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام) , ويكفي أن نسوق مثلاً لأهمية العدل عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما جاء في كلام ابن الأثير المؤرّخ المعروف في وصف عدالة الإمام (عليه السلام): «إنّ زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاءاً كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزءاً، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم»[7].[8].
الهوامش:
[1] شرح نهج البلاغة، 17/30.
[2] ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن (ت795هـ) جامع العلوم والحكم، تعليق ماهر ياسين، بيروت، دار ابن كثير، ط1- 2008، ح 38، ص770.
[3] وسائل الشيعة، ح35، 1/28.
[4] صبحي الصالح،حكَم 113، ص488.
[5] المامقاني، عبد الله (ت1351هـ) تنقيح المقال في علم الرجال، تحقيق: محيي الدين المامقاني، قم، مؤسسة آل البيت، ط1- 1423هـ، 4/163.
[6] الترمذي، محمد بن عيسى (ت279ه) سنن الترمذي، تحقيق: احمد محمد شاكر وآخرون، مصر، مصطفى البابي الحلبي، ط2-1975م ح 1329، 3/10.
[7] محسن الأمين، أعيان الشيعة، 1/348.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه: للدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 53 – 56.