بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.
أما بعد:
تجنب الإنسان العربي أماكن سكنى الجن في الجزيرة العربية ويظهر هذا المعتقد منسجماً مع ما رسخ في الديانة اليهودية من تحديدهم لبعض الأماكن التي تسكنها الشياطين كمصر وبابل، ولذا عدّوا هذه الأماكن من الأماكن الخطرة والموبوءة بالمرض والسوء؛ فضلاً عن اعتقادهم بشكل عام بسكنى الجن في الأماكن المهجورة والمناطق الخربة والمحال المقفرة.
وفي الاتجاه نفسه نجد أن الإنسان العربي قبل الإسلام كان يحذر الاقتراب من بعض الأماكن في الجزيرة العربية، ولعل مرد ذلك يعود إلى سماعه لأصوات مختلفة بعثت الرعب في نفسه، أو تراءى له بعض أشخاص الجن ضمن هيئات مختلفة، أو لعله تعرض للضرر عند مروره بهذه الأماكن.
أما ما قيل من أنه كان يتوهم وجود الجن في هذه الأماكن دون غيرها فيبدو أن هذا القول بعيد عن الواقع الاجتماعي والعقائدي للعرب قبل الإسلام.
ومن ثم فقد استملكه الخوف من المرور بهذه الأماكن ولعل سمة الخوف هي الأبرز في المكونات العقدية والنفسية للإنسان العربي فصار شعرا له في حياته، وهو ما جاء بيانه في قول الإمام علي (عليه السلام) لحال العرب قبل الإسلام:
«أَرْسَلَه عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الأُمَمِ واعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ، وانْتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ وتَلَظٌّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ، عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا واغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى وظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْه طَالِبِهَا ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ، وطَعَامُهَا الْجِيفَةُ وشِعَارُهَا الْخَوْفُ ودِثَارُهَا السَّيْفُ»[1].
أما أهم هذه الأماكن، فهي على النحو الآتي:
1- رمال الحوش.
قال ياقوت الحموي في معجمه: الحوش، بالضم، رمال الحوش، من وراء رمال يبرين لبني سعد ويقال: إن الإبل الحوشية منسوبة إلى الحوش، وهي فحول جن تزعم العرب أنها ضربت في نعم بعضهم فنسبت إليها.
والحوش بلاد الجن من وراء يبرين لا يسكنها أحد من الناس، قال مالك بن الريب:
من الرم، رمل الحوش أو غاف راسب وتهدي برمل الحوش، وهو بعيد[2]
2- أرض وبار.
يروي لنا ابن حبيب البغدادي (المتوفى سنة 245هـ) والطبري في تاريخه والحموي في معجمه ما حاصله: إن أرض وبار تعود لوبار بن إرم بن سام بن نوح، وقيل: إنها كانت منازل بني أميم بن أوذ بن أرم بن سام بن نوح، هلكوا فغلب الجن عليها.
وإن هذه الأرض بسبب سكنى الجن لها لم يستطع أحد من العرب السير فيها سوى دعيميص الرمل العبدي الذي خرج في أثر فحل من إبله تبعته بعض النوق فخرج يتبعها حتى قطع هذه الأرض فنودي: إنه لا سبيل لك إلى البكوات -التي تبعت الفحل- أنهن من بعيرنا، وقد اضربنا لك عن قعدتك، فرجع[3].
3- رمل عالج.
ذكرها البكري الأندلسي فقال: (عالج) بالجيم المعجم وهو الذي ينسب إليه رمل عالج، وهو في ديار كلب، قال الأخنس بن شهاب:
وكل لها خبت ورملة عالج إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب
وخالف هذا أبو عمرو، فقال:
رملة عالج لبني بحتر من طيء، ولفزارة أدانيه وأقاصيه، وانشد لعدي بن الرقاع:
ركبت به من عالج متجبرا وحشا تربب وخشه أولادها[4]
قال أبو زياد الكلابي: رمل عالج يصل إلى الدهناء، والدهناء فيما بين اليمامة والبصرة، وهي جبال، والجبل يكون منها ميل وأكثر[5]، وأكثر شجرها العرفج.
وقد ذكر المؤرخون أن هناك مناطق أخرى عرفت بمواطن للجن، وهي:
(أرض أصمت، وأرض الدو، وأرض البدي، وأرض عبقر موطن الجنّ)[6])[7]
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 89، ص122 بتحقيق صبحي الصالح.
[2] معجم البلدان: ج2، ص219.
[3] كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: ص190؛ تاريخ الطبري: ج1، ص140؛ معجم البلدان: ج5، ص356.
[4] معجم ما استعجم، أبو بكر الأندلسي: ج3 ص913 .
[5] معجم ما استعجم: ج3، ص913.
[6] الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام: ص87 - 88.
[7] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص95-98 أصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.