بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
تناولنا في الحلقة السابقة بيان تأسي فاطمة بعبادة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى بدت هذه الحالة التعبدية من خصوصيات العترة النبوية (عليهم السلام) ولم تكن بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة بدون هذه المستوى التعبدي الذي كان عليه أبيها وبعلها (صلوات الله عليهم أجمعين) ولاسيما في لزوم المحراب وطول التهجد، وفي ذلك يصف لنا الإمام الحسن المجتبى حال أمّه فاطمة، فيقول:
«رأيت أمي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»([1]).
والحديث يظهر بعض الأمور، منها:
1 ــ لابد للمؤمن من التأسي ببضعة النبوة(عليها السلام) فيتخذ في بيته محراباً للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وغيرها من الأمور العبادية كما كانت تصنع بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ يكشف الحديث عن وجود محراب خاص بها (عليها السلام) ولذا، قال ولدها الإمام الحسن (عليه السلام):
«في محرابها».
ولم يقل في المحراب كما هو حال مريم حينما كانت في بيت المقدس فقد التجأت إلى محراب بيت المقدس كما هو واضح في قوله تعالى:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ}([2]).
والظاهر من الرواية أن محراب فاطمة غير محراب علي (عليهما السلام) وذلك أن أمير المؤمنين كان يتخذ من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محلاً للتهجد، أما محراب فاطمة فهو في عقر دارها، ولذا فهو خاص بها.
2 ــ خصوصية ليلة الجمعة في التهجد والدعاء كما تنص الروايات الشريفة في بيان فضل ليلة الجمعة عند الله تعالى وأنها من الليال المخصوصة بالاستجابة؛ ولذا: كانت بضعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تجعل هذا التهجد والتّعبد في هذه الليلة.
3 ــ إن الملاحظ في تهجدها (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أمها وأبيها وبعلها وبنيها) أنها لم تكن تنام طيلة ليلة الجمعة، بل تقضي الليلة بالعبادة، من أول الليل وحتى مطلع الفجر كما هو واضح في قول الإمام الحسن عليه السلام:
«حتى انفجر عمود الصبح».
4 ــ إن المستفاد من الرواية الشريفة أن بضعة النبوة(عليها السلام) كانت تّقسم ليلة الجمعة إلى قسمين، الأول: من أول الليل إلى آخره تخصصه للصلاة، « فلم تزل راكعة ساجدة»، والثاني: من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، وتخصصه للدعاء، فتدعوا للمؤمنين والمؤمنات.
5 ــ ترشدنا الرواية الشريفة إلى آداب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، وذلك أنها (عليه السلام) كانت تذكر أسماء المؤمنين والمؤمنات، «وتسميهم وتكثر الدعاء لهم» إذ لا يكفي الدعاء بصيغة الجمع وإنما أن يخص الداعي في دعائه لأخوانه المؤمنين والمؤمنات بالاسم وأن يكثر لهم في الدعاء.
6 ــ كما ترشدنا الرواية إلى آدب آخر من آداب الدعاء ، وهو الابتداء بالجار والدعاء لهم، ثمّ لأهل الدار ، أي أفراد الاسرة من الزوج والأبناء والوالدين ، بل وللخادم والضيف إن وجدا [3].
فصلوات الله وسلامه عليها وعلى أمها وأبيها وبعلها وبنيها.
الهوامش:
([1]) علل الشرايع للصدوق: ج1، ص182؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج7، ص113.
([2]) سورة آل عمران، الآية: 37.
[3] لمزيد من الاطلاع ، ينظر: موسوعة هذه فاطمة(عليها السلام)، السيد نبيل الحسني، ج5 ص13 – 15 اصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية، العتبة الحسينية المقدسة، ط1 مؤسسة الأعلمي – بيروت 1434هـ ــ 2013م