من اثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين ثانياً: الارتباط بين المسألة والاجابة

مقالات وبحوث

من اثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين ثانياً: الارتباط بين المسألة والاجابة

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-10-2022

بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.

أما بعد:
قال تعالى: {وَإذا سأَلَك عِبَادِى عَنى فَإِنى قَرِيبٌ أُجِيب دَعْوَةَ الدّاع إذا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لى وَلْيُؤْمِنُوا بى لَعَلّهُمْ يَرْشدُونَ}([1]).

تجلت في هذه الآية أنصع صور العناية الإلهية، وأرق الأساليب القرآنية وأجملها، فهي تشعر أنَّ دعوة الداع مجابة من غير شرط وقيد، وذلك لأنَّ الله رحم عباده ونظر اليهم بعين العطف، وجعل الدعاء وسيلة من وسائل التذلل له سبحانه، ((وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي))([2]).

وقد جاء ما يفيد ذلك في وصية الإمام علي عليه السلام علي لولده الحسين عليه السلام جاء فيها: ((ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما إذن لك فيه من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه واستمطرت شئآبيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته، فإنَّ العطية على قدر النية، وربما أُخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأُوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربَّ أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو أُوتيته، فلتكنْ مسألتك فيما يبقى لك جماله، وينفي عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له))([3]).

وقد أفاد مفسرو الإمامية من مضمون هذه الوصية في مباحثهم التفسيرية، ففي تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([4])، قال السيد الطباطبائي: ((والآية تدعو إلى الدعاء وتعد بالإجابة وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: {عن عبادتي} أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار والوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأساً لا على ترك بعض أقسامه دون بعض))([5]).

وقد أظهر هذا التفسير عند السيد العلامة معنى آيات أخر من هذا الباب([6])، ((وكلها تشتمل على أركان الدعاء وآداب الداعي، وعمدتها الإخلاص في دعائه تعالى وهو مواطاة القلب اللسان والانقطاع عن كل سبب دون الله والتعلق به تعالى، ويلحق به الخوف والطمع والرغبة والرهبة والخشوع والتضرع والإصرار والذكر وصالح العمل والإيمان وأدب الحضور وغير ذلك))([7]).

والملاحظ أن تأثير نص الإمام علي عليه السلام)) إنَّ العطية على قدر النية))، قد ظهر واضحاً في تفسير صاحب الميزان، فقد بيّن السيد العلامة شروط الإجابة بقوله: إنَّ وعْدَ الإجابة المطلقة، إنما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي مواطئاً لسانه قلبه، فإنَّ حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أُدير صدقاً أو كذباً جِداً أو هزلاً حقيقةً أو مجازاً... فما لا يستجاب من الدعاء ولا يصادف الإجابة من فَقَدﹶ أحد أمرين وهما اللذان ذكرهما بقوله: ( دعوة الداع ) و( إذا دعانِ)([8]).

ثم قال: ((فإنَّ قوله (فإنَّ العطية على قدر النية) يريد عليه السلام به أنَّ الاستجابة تطابق الدعوة فما سأله السائل منه تعالى على حسب ما عقد عليه حقيقة ضميره، وحمله ظهر قلبه هو الذي يُؤتاه، لا ما كشف عنه قوله وأظهره لفظه، فإنَّ اللفظ ربما لا يطابق المعنى المطلوب كل المطابقة، وقد بين عليه السلام بها عدﱠة من الموارد التي يتراءى فيها تخلف الاستجابة عن الدعوة ظاهراً، كالإبطاء في الإجابة، وتبديل المسؤول عنه في الدنيا بما هو خير منه في الدنيا، أو بما هو خير منه في الآخرة، أو صرفه إلى شيء آخر أصلح منه بحال السائل، فإنَّ السائل ربما يسأل النعمة الهنيئة ولو أُوتيها على الفور لم تكن هنيئة وعلى الرغبة فتبطئ إجابتها لأنَّ السائل سأل النعمة الهنيئة فقد سأل الإجابة على بُطء، وكذلك المؤمن المهتم بأمر دينه لو سأل ما فيه هلاك دينه وهو لا يعلم بذلك ويزعم أنَّ فيه سعادته وإنَّما سعادته في آخرته فقد سأل في الحقيقة لآخرته لا دنياه فيستجاب لذلك فيها لا في الدنيا))([9]).

وذهب السيد السبزواري في مواهبه إلى ما ذهب إليه السيد الطباطبائي من أنَّ الاستجابة يجب أنْ تطابق الدعوة، إذْ إنَّ الإخلاص في الدعاء وعقد القلب عليه وحسن الظن بالإجابة من شروط صحة الدعاء مستدلاً بجملة من الروايات عن النبي وأهل بيته عليهم السلام منها قول الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة ومن خلال هذا الاهتمام بكلام الإمام عليه السلام يتضح للقارئ حجم الأثر الذي تركه نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، لذا كان لا بد للبحث من إيراد ونقل نص كلام المفسر ليتجلى للمتلقي مدى اعتماد ذلك المفسر على كتاب نهج البلاغة ويقف بنفسه على أنَّ هذا الاستشهاد بهذه النصوص وهذه الخطب والوصايا لم يكن استشهاداً عابراً، وإنّما يُتناول عادةً بالبحث والتحليل)[10].

الهوامش:
([1]) البقرة، 186.
[2])) الكافي، 2/ 468، باب :أن الدعاء سلاح المؤمن.
([3]) نهج البلاغة، 2/ 27.
[4])) المؤمن، 60.
[5])) الميزان، 2/ 34.
(([6] ظ : الآية (14) من سورة المؤمن، والآية (56) من سورة الأعراف، والآية (90) من سورة الأنبياء، والآية (55) من سورة الأعراف، والآية (4) من سورة مريم، والآية (26) من سورة الشورى.
(([7] الميزان، 2/ 35.
([8]) الميزان، 2/ 33.
([9]) الميزان، 2/ 37.
([10] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص  164 -167.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2091 Seconds