بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.
أما بعد:
لقد لعبت الطبيعة دوراً مهماً في معتقدات الإنسان لاسيما تلك العناصر التي كانت على تلازم مع حياته، بل: شكلت أحد مكوناته الحياتية التي يتعذر عليه العيش بدونها، ولذا: نراه قد عمل على عبادتها ظناً منه أنه بهذا العمل يستطيع المحافظة على وجودها ودوام عطائها الذي بات يشكل له دوام حياته واستمرار عيشه.
ولقد اتخذت الشجرة دورها المتميز في الميثولوجيا العالمية ففي وادي الرافدين كانت النخلة لها دورها في المعتقدات البابلية وأن ثمارها خير ما يقدم لنيل رضا الآلهة.
أما شجرة التين فلها حظها الأوفى عند البوذيين فهي التي استنار تحتها بوذا[1]، ولذا سميت (شجرة العلم، أو الشجرة المقدسة، وقد احتلت عند البوذيين مكانة سامية فهم يرون في الشجرة المقدسة شيئا يجب أن يسعى له الناس لا أن يسعى هو للناس، ولهذا زرعوا في كل قصر شجرة واحدة من نوع الشجرة المقدسة يحج الناس إليها في مناسبات مختلفة)[2].
ولذلك: لم يكن غريباً لدى العرب قبل الإسلام الاعتقاد بالشجرة وتحديداً شجرة النخلة فقد (كان عرب نجران يعبدون نخلة طويلة يأتونها كل سنة في يوم معين، فيعلقون عليها الثياب والحلي النسائية ويعكفون عليها طيلة يومهم)[3].
(وكان لأهل قريش شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط، يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم)[4].
أما عبادة العرب للحيوان كذاك لم تكن وليدة البيئة الصحراوية، وإنما قد حظيت هذه العبادة في ميثولوجيا الشعوب بدورها المتميز، (فقد عبد المصريون القطط، واحتل الفيل مكانة مقدسة في شبه القارة الهندية حتى عد أحد الآلهة لدى الهنود في آسيا، فضلاً عن عبادتهم للبقر وتقديسهم وصلواتهم لها)[5].
في حين (عبد العرب الحيوانات وجعلوا لها أصناماً، منها (نسر) وهو صنم على صورة طائر النسر و (يغوث) وهو على هيئة الأسد، و (يعوق) على صورة الفرس؛ وعبدوا البهائم والغزلان والجمال)[6].
فهذه الأصنام كانت رموزاً تدل على اعتقاد العرب في عبادة هذه الحيوانات، كما تكشف عن هيمنة الوثنية وتعدد صورها في المجتمع المكي لتصل إعدادها إلى أكثر من (360) صنما في جوف الكعبة وما حولها[7].
ولقد عالج أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الانحراف الفكري والجهل العقدي وسريانه في المجتمع العربي وتنزيه العقول من ترسبات الرمزية الوثنية في الحيوان والشجر، فتراه (عليه السلام) يخاطب العقول، قائلا:
«ولَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِه، مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ، هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ، وغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ، ومَا الْجَلِيلُ واللَّطِيفُ والثَّقِيلُ والْخَفِيفُ، والْقَوِيُّ والضَّعِيفُ فِي خَلْقِه إِلَّا سَوَاءٌ، وكَذَلِكَ السَّمَاءُ والْهَوَاءُ والرِّيَاحُ والْمَاءُ، فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ والْقَمَرِ والنَّبَاتِ والشَّجَرِ، والْمَاءِ والْحَجَرِ واخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ والنَّهَارِ، وتَفَجُّرِ هَذِه الْبِحَارِ وكَثْرَةِ هَذِه الْجِبَالِ، وطُولِ هَذِه الْقِلَالِ وتَفَرُّقِ هَذِه اللُّغَاتِ، والأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وجَحَدَ الْمُدَبِّرَ، زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ، ولَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ، ولَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوْا، ولَا تَحْقِيقٍ لِمَا، أَوْعَوْا وهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ...» [8])[9].
الهوامش:
[1] أسرار الآلهة والديانات، أ. س. ميغوليفسكي، ترجمة حسّان ميخائيل: ص158.
[2] موسوعة الأديان في العالم: ص178.
[3] السيرة النبوية لابن هشام.
[4] الأساطير والمعتقدات العربية: ص116.
[5] موسوعة الأديان: ص79 - 80.
[6] الخيل في الشعر الجاهلي: ص54.
[7] صحيح البخاري، كتاب المظالم: ج3، ص108.
[8] نهج البلاغة، الخطبة: 185 ص271 بتحقيق صبحي الصالح.
[9] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص 152-155اصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.