بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([1]).
تشير الآية هنا إلى أحد الموانع المهمّة للإنفاق، وهو الوساوس الشيطانيّة التي تخوّف الإنسان من الفقر والعوز وخاصّة إذا أراد التصدّق بالأموال الطيّبة والمرغوبة.
والمعنى الإجمالي للآية الوعد من الشيطان أنكم متى أخرجتم من أموالكم الصدقة وأديتم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم افتقرتم ويأمركم أيضاً بالفحشاء من المعاصي وترك طاعته، والله تعالى يعد بالمغفرة منه والستر عليكم، والصفح عن العقوبة، "وفضلاً"، يعني ويعدكم أنْ يخلف عليكم خيراً من صدقتكم ويتفضل عليكم ويسبغ عليكم في أرزاقكم([2]).
قال ابن عباس: "اثنان من الله، واثنان من الشيطان، الشيطان يعدكم الفقر يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنَّك تحتاج إليه، ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه على هذه المعاصي وفضلاً في الرزق"([3]).
ومن هنا يتجلى لنا أنَّ أهم ما يمنع الإنسان من الإنفاق هو وساوس الشيطان، إذْ يولد لدى الإنسان قناعة توحي له أنَّ الإنفاق يؤدي به إلى نقص المال، وهذه هي النظرة الشيطانية الضيّقة.
وفي هذا الشأن قال الشيخ مكارم: "ولكنّنا بتدقيق النظر ندرك أنَّ الإنفاق هو ضمان بقاء المجتمع، وتحكيم العدل الاجتماعي، وتقليل الفواصل الطبقية، فالقرآن أراد أنْ يُعلِّم الناس أنّ الإنفاق وإنْ بدا في الظاهر أنّه أخذ، ولكنّه في الواقع عطاء لرؤوس أموالهم مادّياً ومعنوياً"([4]).
ثم دلَّل على ذلك بما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أنّه قال: "إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة"([5]))[6].
الهوامش:
([1]) البقرة، 268.
([2]) ظ : التبيان، الشيخ الطوسي، 2/ 346.
([3]) جامع البيان، ابن جرير الطبري، 3/ 121، وظ : فقه القرآن، القطب الراوندي، (ت 573هـ)، تحقيق : السيد أحمد الحسيني، مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي، 1405هـ، 1/ 233. مع اختلاف في متن الحديث.
([4]) الأمثل، 2/ 313.
([5]) نهج البلاغة، 4/ 57.
([6] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 180-182.