مؤسسات الدولة وسياستها الإدارية في فكر الإمام علي عليه السلام 5- الوالي

مقالات وبحوث

مؤسسات الدولة وسياستها الإدارية في فكر الإمام علي عليه السلام 5- الوالي

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 28-02-2023

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:
يحتل الوالي مكانة كبيرة في حكومة الإمام علي عليه السلام، ويمكن اعتباره نائب الخليفة والقائم بمهامه في إدارة شؤون ولايته، ورعاية مصالح العباد فيها، ولأهمية الوالي كمنفذ لسياسة الحكومة ـ في فكر علي عليه السلام ـ فقد تكررت كلمة (والي وولاية) في النهج ما يقارب من خمس وثمانين مرة.

ومن خلال قراءة متمعنة في تلك النصوص يمكننا تلمس الأسلوب الدقيق الذي يتبعه علي عليه السلام في اختيار ولاته، فمن الأولويات التي يضعها في اعتباره فيمن يرشحه للولاية «اللياقة الذاتية للحكم حسب سلوكه الطبيعي والاجتماعي، وحسب ايمانه العقائدي»[1]، مما يعني دراسة حالته دراسة مستفيضة، من حيث مسلكه الإنساني وتصرفاته الاجتماعية، ومدى اخلاصه للعقيدة، على ان تكون الدراسة متبوعة بمراقبة دقيقة أثناء ممارسة مهام الولاية، لكون علي عليه السلام يرى انه «إذا قوي الوالي في عمله حركته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر»[2]، مما يعني في طياته ان الطبع بغلب التطبع، فما دام الإنسان بعيداً عن واقع العمل فقد تصدق الفراسة فيه، وقد تخون، خاصة إذا حاول التزيي بما ليس في طبعه، إذ سرعان ما ينكشف حين يباشر ما أوكل إليه من أعمال فتتبدى طموحاته في الظهور لتبين ما في دخيلته من ميول خيرة أو شريرة، لذا لم يرشح للولاية إلا من لدينه[3]، واضعاً شروطاً تكاد تكون نادرة الا في القليل من الرجال، لأن طبعه المثالي وحبه للإنسانية جعلاه يتوق دائماً إلى المثال في كل ما يتعلق بالإنسان ويمكن حصر الشروط التي يتوخاها على عليه السلام في الوالي المثالي في النقط الثمان التالية:
1ـ الإيمان القوي التام[4]
2ـ الورع والنزاهة[5]
3ـ الخوف المؤدي إلى محاسبة النفس على كل حقير أو عظيم[6]
4ـ العدل بمعناه الشامل لكل الأشياء ولجميع أفراد الولاية الفقير قبل الغني والضعيف قبل القوي[7]
5ـ ثقافة واسعة تمكن الوالي من الدراية التامة بأحوال البلاد وما مر عليها وعلى مواطنيها من حكومات سابقة اتصفت بالعدل أو بالجور لمقارنة حكمه بحكم أولئك وتلمس الطريق الأصوب والأسلم في سياسته، من ذلك قوله للأشتر «اعلم يا ملك، أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور، وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ماكنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده»[8]
6ـ الشجاعة والقوة والجرأة، فـ«لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الاعداء ساعات الروع»[9]
7ـ الإئتمار التام بأمر خليفة في كل ما يعترضه من مهام خطيرة تتعلق بالبلاد والعباد قبل ان يتخذ رأيه فيها[10]
8ـ ان يكون قدوة في القول والفعل بالنسبة لمواطني ولايته[11]، متبعاً الصراحة بمكاشفتهم بالأمور المتعلقة بمصالحهم[12]، إضافة إلى ذلك الحلم وسعة الصدر[13] والتعويل على استشارة أولي الألباب في المهمات[14]، وحضور البديهة عند كل ملمة، والنظر في مجريات الأحداث بحذر واناة ومعالجتها بما يتناسب والشرع حتى ولو كان في ذلك اجحاف بالحكومة واضرار بمصالحها الدنيوية[15].
وهو إذ يضع تلك الشروط الدقيقة فيمن يتوخاه لتحمل أعباء الولاية، لأنه يعتبره شريكه فيما اوكل إليه من امانة، يقول لعبد الله بن عباس واليه على البصرة «أربع أبا العباس، رحمك الله، فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشر، فإنا شريكان في ذلك»[16]، والشراكة التي يقصدها علي عليه السلام، تعني أن مهام الوالي في ولايته تكاد تكون نفس مهام الخليفة، أي بمعنى أوضح انها ولاية اختيارية عامة[17]، حسب ما وضحه الماوردي الذي جعل اختصاص الوالي العام في سبع نقاط هي:

1ـ النظر في تدبير الجيوش.
2ـ النظر في الأحكام وتقليد القضاة.
3ـ جبابة الخراج وقبض الصدقات وتقليد العمال فيهما، وتفريق ما استحق منها.
4ـ حماية الدين والذب عن الحريم.
5ـ إقامة الحدود في حق الله.
6ـ الإمامة في الجمع والجماعات.
7ـ تسيير الحجيج[18].

ولو نظرنا فيما أورده الإمام علي عليه السلام من اختصاصات الوالي فسنجدها تشمل ـ إضافة إلى ما أورده الماوردي ـ النظر في العلاقات الإنسانية بين الناس، والستر على عيوب الرعية ما أمكن[19]، ورعاية كل طبقة بما يصلحها[20]، بالإضافة إلى الطريقة المثلى في السياسة اتجاه العدو في وقت الحرب والسلم[21]، من صلح وكتابة معاهدات، إلى غير ذلك من شؤون تتعلق بمصلحة البلاد والعباد، وهو بذلك جعل مهمة الوالي متسعة باتساع ولايته، إذ يدخل ضمنها كل بيت من بيوتها، وتشمل الرعاية كل شخص، بل حتى البقاع وما يدب عليها من حيوان، وعلى ذلك فإن الشروط التي أرادها في شخص واليه في منتهى المثالية والندرة ولكنها هي المؤهلات لصاحبها للقيام بمهام الولاية طبقا لمعاني الحق في فكر علي عليه السلام الذي يدرك تماماً بأن «الحق كله ثقيل، قد يخصه الله على اقوام طلبوا العافية، فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم»[22]. وبطبيعة الحال فإن الاختصاصات الواسعة التي أوكلها علي عليه السلام لواليه تحتاج إلى جهاز إداري محكم، حتى يتمكن من القيام بمسؤوليته على اكمل وجه.)[23].

الهوامش:
[1] مهدي محبوبة: ملامح من عبقرية الإمام ص 83.
[2] ابن أبي الحديد 20/269.
[3] راجع ص 198 وما بعدها من هذا البحث.
[4] راجع رسائل 38ـ الفقرة الثانية في وصفهg لمالك الأشتر.
[5] المصدر السابق نفسه.
[6] المصدر السابق نفسه.
[7] راجع رسائل 26، الفقرة الأولى، ورسائل 76.
[8] رسائل 53، الفقرة الرابعة وما بعدها.
[9] رسائل 38.
[10] راجع السابق الفقرة الثانية.
[11] راجع رسائل 45، الفقرة الثانية.
[12] راجع رسائل 53، الفقرات 4، 13، 32.
[13] المصدر السابق نفسه.
[14] المصدر السابق نفسه.
[15] المصدر السابق نفسه.
[16] رسائل 18، وأربع: أي أرفق عند حدود ما تعرف.
[17] راجع الأحكام السلطانية، ص 27.
[18] السابق.
[19] راجع رسائل 53، الفقرات: 8، 14، 33.
[20] المصدر السابق نفسه.
[21] المصدر السابق نفسه.
[22] رسائل 53، فقرة 26.
[23] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 312-317.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2622 Seconds