الأخلاق من نهج البلاغة: الإنسان وتطوره/ الحلقة الأولى: خلق الإنسان

مقالات وبحوث

الأخلاق من نهج البلاغة: الإنسان وتطوره/ الحلقة الأولى: خلق الإنسان

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-03-2023

بقلم: الشيخ محسن علي المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))

وبعد:
والإنسان إبداع الله المعجز وخلقه العجيب بدأ خلقه من طين ثم من سلالة ماء مهين ثم كساه لحما وعظما ثم أنشأه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
أودع فيه جم القوى ومنحه كثر القابليات فاتجهت لصنوف الرغائب ومتعدد الميول.
وهبه خير الهبات وشرّفه بأنفس السمات.
فكرّمه بـ (العقل) وهو الجوهرة المقدسة.
كما زوّده بـ (النفس) وهي النعمة الكبرى.
والإنسان -وهو إبداعة التكوين- يزخر في جرمه الصغير التحامًا وارتباطا اللحم والدم والعظم والحواس الظاهرة والحواس الباطنة وما ينبعث من ذلك من ميول وأهواء وقدرات وطاقات وطباع وأوضاع.
 وحينما تزدحم القوى فينجم عنها التصارع والتغالب والتنازع فيسمو الإنسان طورًا، وطورًا يخلد إلى الأرض وربما إلى مهوى سحيق.
وللإمام عليه السلام وهو صنيعة الإبداع الإلهي وأنموذج التربية الربانية مقال مستفيض حول (الإنسان) خلقةً وتركيبًا ونظامًا وتربيةً، من خطب طوال وجمل قصار أحاطت بالمهم من شؤونه تشخيصا وعلاجًا وعلى نسق الفصول السابقة نسلك (نهج البلاغة) سائرين في صراطه المستقيم لنبلغ الغاية.

أولاً: خلق الإنسان:
أ) «ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ[1] إِنْساناً ذَا أَذْهَانٍ يُجيلُهَا، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا[2]، وأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، والأَذْوَاقِ والمَشَامِّ، وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بطِينَةِ الْأَلْوَانِ المُخْتَلِفَةِ، وَالْأَشْبَاهِ المُؤْتَلِفَةِ، وَالْأَضْدَادِ المُتَعَادِيَةِ، والْأَخْلاطِ المُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ»[3].
ب) «أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ، وَشُغُفِ[4] الأستارِ، نُطْفَةً دِهَاقاً[5]، وَعَلَقَةً مِحَاقاً[6]، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعًا[7]. ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لافِظاً، وَبَصَراً لاحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً»[8].
ج) «أَيُّهَا المَخْلُوقُ السَّوِيّ، وَالمُنْشَأُ[9] المَرْعِيُّ[10]، فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الاستارِ، بُدِئْتَ {مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ}، وَوُضِعْتَ {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ[11] فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً[12]، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إلى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا؛ فَمَنْ هَدَاكَ لِإِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ، وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ!»[13].
د) «اعْجَبُوا لِهذَا الإنسان يَنْظُرُ بِشَحْمٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ، وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ!!»[14].)[15].

الهوامش:
[1] مَثُلَتْ: قامت منتصبة.
[2] يَخْتَدِمُهَا: يجعلها في خدمة مقاصده.
[3] خ 1/42.
[4] الشغف: غلاف القلب، وهنا استعارة للمشيمة.
[5] الدهاق: المتتابع، المصبوب بقوة، الممتلئة.
[6] المحاق: الخفيّ.
[7] اليافع: الغلام راهق العشرين.
[8] خ 83 /112.
[9] المُنْشَأ: المُبْتَدَع.
[10] المرعيّ: المحفوظ المعنيّ بأمره.
[11] تمور: تتحرك.
[12] لا تحير: لا تستيطع ردّ الجواب.
[13] خ 163 /233-234.
[14] م 8 /470.
[15] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 113-115.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5540 Seconds