بقلم. د. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
إنَّ من يطّلع على مصادر التشريع الإسلامي من الكتاب والسّنة يجد فيهما تركيزاً كبيراً واهتماماً واضحاً بموضوع الجهاد، ففي القرآن الكريم ما يُقارب (40 آية) تتحدّث عن الجهاد بلفظ الجهاد ومشتقاته، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبيُ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمنَافِقِينَ وَاغلُظْ عَلَيهِم}([1])، وكقوله تعالى: {إنْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبيلِ الله}([2])، وقوله سبحانه: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}([3])، وهناك أكثر من (100 آية) تتحدّث عن الجهاد بلفظ القتال ومشتقّاته.
فضلاً عن مجموعة من الآيات التي َتَتحدّثُ عن الجهاد بلفظ الغزو والحرب والشّهادة ومشتقّاتها.
وحينما نرجع إلى السّنة المطهّرة نجد مئات الأحاديث والنُّصوص تركّز على موضوع الجهاد وتقرّر بصراحة أنّ الجهاد أهمّ وأفضل من جميع الأعمال والعبادات الأُخرى، فعن الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "فَوقَ كُلِّ ذِي بِرٍ بر حَتَّى يُقْتَل فِي سَبيلِ اللهِ فَإذا قُتِلَ فِي سَبيلِ اللهِ فَلَيْسَ فَوْقَه بر"([4]).
وفي مصدر واحد فقط من مصادر الحديث هو كتاب (وسائل الشِّيعة) نجد (1223حديثاً) عن الجهاد وفضله وأحكامه وما يتعلَّق به.
وإذا ما قُمنا بجولة عابرة في ربوع نهج البلاغة، فسنرى أنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، يعطي للجهاد مكانة خاصّة، ويرفعه إلى أعلى مستوى من الأهمية والتّقدير، ويمنحه أعظم الصّفات، إذ يقول عليه السلام: " الله الله فِي الْجِهَادِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُم وَأَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ الله"([5]).
وقال أيضا: "الجنة تحت أطراف العوالي"([6])، وكذا في قوله عليه السلام: "وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلاَ تَأْخُذُكَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ"([7]).
وفي خطبة له عليه السلام في فضل الجهاد قال: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إلى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى الإيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، فَإنَّهُ ذُرْوَةُ الإسلام"([8]).
أما الخطبة التي أخذت أثرها في تفسير الآيات المتعلقة بالجهاد فهي خطبته التي يقول فيها: "أمَّا بَعْدُ، فَإنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أولِيَائِهِ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ الْبَلاَءُ، وَدُيِّثَ بِالصغَارِ وَالْقَماءَةِ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بالإسهاب، وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْييعِ الْجِهَادِ، وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ"([9]).
فقد أورد الشيخ مكارم الشيرازي بعض نصوص هذه الخطبة في تفسير قوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما}([10])، فبعد أنْ تكلم عن أهمية الجهاد، إذ قال: "… وهذا هو الشيء الذي يؤكّد عليه رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"([11])، ثم ذكر بعد ذلك مستهل خطبة الإمام عليه السلام في الجهاد([12]).)[13].
الهوامش:
([1]) التوبة، 72.
([2]) التوبة، 41.
([3]) النساء، 59.
([4]) الكافي، 2/ 199، ظ : حرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، مؤسسة الإمام الصادق عليهم السلام ، 1420هـ، 2/ 129.
([5]) تصنيف نهج البلاغة، لبيب بيضون، 300.
([6]) نهج البلاغة، 2/ 4.
([7]) نهج البلاغة، 3/ 39.
([8]) نهج البلاغة، 1/ 215.
([9]) نهج البلاغة، 1/ 67.
([10]) النساء، 95.
([11]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، 1365 ش، ط/4، 6/ 123.
([12]) ظ : الأمثل، 3 / 404.
([13] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 184-187.