بقلم : السيد نبيل الحسني.
لم يأتِ ابن كثير بشيء جديد في تأويل قوله تعالى {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وقوله عز وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} فقد نسخ أقوال أسلافه وأشياخه في المسألة، وهو على النحو الآتي:
1 ـ قال ابن كثير في تأويل قوله عزّ وجل: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} بعد أن أورد أقوال من قال بانها أي: الوراثة في النبوة والعلم، ثم أعقبه بالرد على من قال بأن الإرث في مال زكريا دون أن يصرّح بلفظ المال وإنما أورد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حيث قال هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب».
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه عبد الرزاق الصنعاني عن قتادة، أنه قال:
«يرحم الله زكريا وما كان عليه من ورثه؟ ويرحم الله لوطا إن كان ليأوي الى ركن شديد» [1].
فرد ابن كثير، قائلاً:
(وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح)[2].
ولا شك أنه يقصد بالصحاح: حديث: «لا نورِّث ما تركنا صدقة»؛ ومن ثم فهو مكبل بسُنّة الشيخين فهي الصحاح عنده وليس الآيات القرآنية، وإلا وجدناه يأخذ بالأوهام وليس بالمرسلات في تأويله لنفي الإرث في المال بين داود وسليمان (عليهما السلام).
2 ـ قال في تأويل قوله عز وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}.
(أي: في الملك والنبوة، وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه كان لداود مئة امرأة، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة، فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله:
«نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة»[3].
أقول:
1 ـ لا شك ولا ريب أن العلة في هذا التخبط في أقوال أعلام أهل السُنَّة والجماعة هو التكبل بحديث «لا نورِّث» وحرصهم على تصحيح فعل أبي بكر ودفعهم عنه آذى البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام)، وذلك أنهم يدركون أن الإقرار بهذا الآذى يقود الى هدم عقيدتهم في تفضيل أبي بكر وعمر على جميع الصحابة، بل والأخذ بما ثبت في الصحاح من الآثار المترتبة على أذى فاطمة وعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فمن آذاها فقد آذى رسول الله (صلى اله عليه وآله)[4] ، ومن آذاه فقد آذى الله تعالى ، والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[الاحزاب :57] .
وعليه:
لو نطق القرآن بأجمعه على إرث الأنبياء عليهم السلام في الأموال لما أخذوا به!!
2 ـ إنّ من الغريب جداً ألّا يأخذ ابن كثير بـ(المرسلات التي لا تعارض الصحاح) لكنّه يأخذ بالأوهام في زواج نبي الله داود من مائة امرأة ونسي أن يسأل نفسه من أين كان داود ينفق عليهن، وكيف كان له أن يعدل بينهنّ والأنبياء بزعمهم لا يليق بهم جمع المال والنساء والأملاك؟!!
3 ـ قد بيّنا سابقاً أن النبوة جَعْلٌ من الله تعالى، وهي خارجة عن تخصص الأنبياء (عليهم السلام) وإن كانوا يسألون الله أن يخصهم بهذا الفضل كما سأل إبراهيم ربه الإمامة، قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سورة البقرة/124] فجاءه الرد القاطع بأنها شأن إلهي {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة/124].
ومن ثم : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن بذلك ، إلا أن الحقيقة التي لا مفر منها ، هي : تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة وقد تجلت في كلام أمير المؤمنين (عليهما وولدهما السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال:
«وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليَّ وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين»[5] . [6]
الهوامش:
[1] تفسير القرآن للصنعاني: ج3 ص3.
[2] تفسير ابن كثير: ج3 ص 118.
[3] تفسير ابن كثير: ج3 ص 370.
[4] صحيح البخاري ، كتاب النكاح : ج6 ص158
[5] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[6] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 178/180 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء المقدسة - 2021م