بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
ورد هذا اللفظ في اربعة مواضع من النَّهْج ليدل على:
1) المعنى الحقيقي: ويعني به العملة النقدية، وقد تعرَّض له الإمام (عليه السلام) في موضعين هما: في خطبة له (عليه السلام): « أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتاباً عَلَى هذِهِ النُّسْخَةِ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَم فَمَا فَوْقُ»[1].
و من كتاب له الى عماله على الخراج: «وَلاَ تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَم»[2].أي الرفق في تحصيل المال، فلا تجوز القسوة لاضربا ولاشتما ولاشيئاً يسيء.
2) المعنى المجازي: جاءت ألفاظ النَّهْج حاملة لهذا النوع من المال، ألاَّ إنَّ المقصود في سياقها الذَّم وليس المعنى المادي، منها قوله (عليه السلام): في أصحابه وأصحابُ رسولِ الله: « لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ !»[3].
الكلام فيه تأكيد بـ(القسم وإنَّ واللام)، والكلام فيه تحقير فجعل أهل الشام بمنزلة الذهب وأصحابه بمنزلة الفضة ورجح واحدا على عشرة من أصحابه، فود مبادلتهم به[4].
فــ «الدِّرهَم والدِّرهِم بكسر الهاء وفتحها لغتان. ورجل مُدَرهم: كثير الدَّراهم وادْرهَمَّ الشيخ ادْرِهمَاماً، أي كَبِر»[5].
وهو عملة نقدية مصنوعة من الفضة، وهو لفظ معرب من الفارسية، والمدرهم: « الساقط من الكبر، وجمع درهم دراهم ؛ وذهب ابن سيده الى ان تكسيره الدًراهيم[6]. ويبدو أن بحور الشعر قد تقتضي هذا الوزن أي الدراهيم. ويعد الدِّرهم من أنواع النقود التي تستعمل وسيلةً للتعامل التجاري، وتختلف أنواعه، وأوزانه بإختلاف البلاد، وقيل: الدِّرهم: قطعة من الفِضَّة تزن ستة دوانق. والدَّانق من الأوزان، وقيل داناق وهو سُدُس الدَّرهم. ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾[7].
قال الرَّاغب: «الدِّرْهَم: الفضة المطبوعة المتعامل بها»[8]، وهو من الألفاظ اليونانية، دراخمت باليونانية، وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطا وقدر بست عشرة حبة من حب الخروب، فتكون كل خروبتين ثمن درهم، وهي اربعة حبات من حب البر المعتدل، والدرهم من الدينار نصف وخمسه، فيكون كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، وهو وزن كانت قريش تزن به الفضة، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارا، وقد تكلمت به العرب قديما، فلم يعرفوا غيره [9])[10].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: ك 3، 270.
[2] ك 51، 319.
[3] خ 97، 99.
[4] ظ: منهاج البراعة: 7 / 103.
[5] ظ: العين (مادة درهم): 4 / 125.
[6] ظ: لسان العرب (مادة درهم): 2 / 1370.
[7] يوسف / 20.
[8] ظ: المفردات في غريب القران: 1 / 224.
[9] ظ: المعرب: الجواليقي: 196، وظ: المعجم الاقتصادي الاسلامي: 163.
[10]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 153-155.