من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((أنا الذي سَمَّتْني أُمّي حَيْدَرَة))

مقالات وبحوث

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((أنا الذي سَمَّتْني أُمّي حَيْدَرَة))

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-08-2023

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
قال الإمام علي(عليه السلام): أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة.
 سُئِلَ آل أَبي طَالب عَن قَوْله عليه السلام: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة)) [1].  فَذكر انّ أم عَليّ بن أَبي طَالب فَاطِمَة بنت أَسد ولدت عليا وَأَبُو طَالب غَائِب فَسَمَّتْهُ أسدا باسم أَبِيهَا فَلَمَّا قَدِم َأَبُو طَالب سَماهُ عليا[2]. 

ذكر علماء اللغة أنَّ حيدرة: اسم من أَسماء الأسد إلاّ الخليل، فقال: ((حيدرة: اسم علي بن أبي طالب -عليه السلام- في التوراة، وارتجَزَ فقال: أنا الذي سَمَّتْني أُمّي حَيْدَرَة))[3]، وفي التهذيب: ((الحَيْدَرَةُ فِي الأسد مثل المَلِك فِي النَّاس.. وحَيٌّ حَادِرٌ: مُجْتَمِعٌ))[4].
قوله (عليه السلام) سمتني أُمِّي حيدرة، ذكر اصحاب الغريب أصل حيدرة منحدر حدار فَهُوَ حادر: إِذا غلظ جِسْمه[5]. وقال ابن قتيبة (حيدرة): (( اسْم من أَسمَاء الْأسد..))[6]، وقال السرقسطي ثلاثة آراء الاول: قول بعض الناس بأنَّ (حَيْدَرَة) اسم عَلِيٍّ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، والثاني: ذكر تفصيل ابن قتيبة، والثالث قال: ((وَفِيهِ تَفْسِيرٌ ثَالِثٌ...،عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ، يُقَالُ: غُلَامٌ حَادِرٌ، وَرُمْحٌ حَادِرٌ، وَمِنْهُ أُشْتُقَّ حَيْدَرَةُ...، فَكَأَنَّ عَلِيًّا، وَالله أَعْلَمُ، كَانَ يُلَقَّبُ بِهَذَا الِاسْمِ، وَهُوَ صَغِيرٌ لِحَدَارَتِهِ وَعِظَمِ بَطْنِهِ،...))[7].وقال ابن الاثير: (( يُقصَدُ بقَوْلِهِ حَيْدَرَة أنهَا سَمَّتْه أسَداً. وَقِيلَ بَلْ سَمَّته حَيْدَرَة))[8]، فَلَمَّا رَجَزَ الإمَامُ عَليّ (عليه السلام) فِي يَوْم خيبر قال: [9]
أنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة                  كليث غابات كريه المنظرة
ضرغام آجام وَكنت قسورة                 أَوفيهم بالصاع كيل (السندرة)(6)
[10]عن ابن برّي قال: قوله: (أَنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمي أَسداً)، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذِكْرُ الأَسد لأَجل الْقَافِيَةِ، فعبَّرَ على سبيل الاستعارة باسم آخر من أسماء الأسد وهو(حَيْدَرَة)؛ لأَن أُمّه لَمْ تُسَمِّهِ حَيْدَرَةَ، وإِنما سَمَّتْهُ أَسداً...[11] وقال ابن منظور: ((وَهَذَا الْعُذْرُ مِنِ ابْنِ بَرِّيٍّ لَا يَتِمُّ لَهُ))[12]، فالإمام عليّ (عليه السلام) مُخَيَّرٌ فِي إِطلاق الْقَوَافِي عَلَى أَي حَرْفٍ شَاءَ مِمَّا يَسْتَقِيمُ الْوَزْنُ لَهُ[13]، ونَلْحَظ أنَّ كلام ابن منظور هو الصواب عينه، فكيف يصعب ذلك على الإمام(عليه السلام) وهو أمير البيان!
ولابن أبي الحديد قولان: أحدهما: انّ أمه فاطمة بِنت أسَد سَمَّتْهُ بِاسِم ابيِها، والثاني: انّ حيدرة اسم كانت قريش تسميه به، ويرى القول الاول أصح، ويدل عليه يوم برز إليه مرحب[14] وارتجز عليه فقال: (انا الذي سمتني امي مرحبا) فأجابه (عليه السلام) رجزا وقال: (انا الذي سمتني امي حيدرة)[15]. إذ ((لم يقل: سمتني أسدا ذَهَابًا إِلَى الْمَعْنى والحيدرة: من أَسمَاء الْأسد))[16]، كأنه قال: أَنا الْأسد[17] أقتلكم قتلا وَاسِعًا [18]، فاستعار لفظ(حيدرة) لما لها من المزية والفخامة، وقد تلطف (عليه السلام) لما أراد إثباته له من فرط الشجاعة حتى جعله كالشيء الذي يجب له الثبوت والحصول وكالأمر الذي نُصِبَ له دليل يقطع بوجوده، فوجب ان تكون تلك الشجاعة العظيمة.[19] وإن دلَّ هذا التركيب إنَّما يدلُّ على شجاعته (عليه السلام) والشجاعة من الصفات الحسنة)[20].

الهوامش:
[1] غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/101، والدلائل في غريب الحديث: 2/669، وغريب الحديث: الخطابي: 2/179، والفائق في غريب الحديث: 1/266، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 1/197، ونهج البلاغة بشرح ابن ابي الحديد: 1/1: لسان العرب: (حدر)،و(سندر)، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 1/305.
[2] ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/101، والدلائل في غريب الحديث: 2/670، وغريب الحديث: الخطابي: 2/179، والفائق في غريب الحديث: 1/266، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 1/197، ونهج البلاغة بشرح ابن ابي الحديد: 1/1: لسان العرب: (حدر)،و(سندر)، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 1/305.
[3] العين: (حدر)3/0179
[4] تهذيب اللغة: (حدر)4/237، وينظر: لسان العرب: (حدر)4/172.
[5] الدلائل في غريب الحديث: 2/670، والفائق في غريب الحديث: 1/266، ولسان العرب، (حدر): 4/173.
[6] غريب الحديث: 2/102.
[7] الدلائل في غريب الحديث: 2 /669-670، وينظر: لسان العرب: (حدر)4/172-173.
[8] النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/354.
[9] غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/101، الدلائل في غريب الحديث: 2/670، غريب الحديث: الخطابي: 2/179، الفائق في غريب الحديث: 1/266، غريب الحديث: ابن الجوزي: 1/197، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/354، وينظر: الكامل في التاريخ: 2/99، وبحار الانوار: 2/5، وفي الديوان ذكر: (أكيلُكم بالسيف كيْلَ السندرة.....أضربكم ضرباً يبين الفقرَة). ديوان الامام علي (عليه السلام): 67.
[10] معنى (سندرة): ضرب من السّهام والنِّصال مُحكَم الصّنعة، ومنهم من قال: السَّنْدَرة: ضرب من الكيل جُزاف، ويقال: السَّنْدرة: الكيل الوافي...(ينظر: العين( سندر)7/340، وتهذيب اللغة: (سندر): 13/103)، وقال الزمخشري: (السندرة: مكيال كَبِير كالقنقل).(الفائق: 1/266)، وينظر: ابن قتيبة في غريبه: 2/104. وابن الجوزي في غريبه: 1/503.
[11] ينظر: لسان العرب: (حدر) 4/172-173. 
[12] م. ن: (حدر): 4/172-173.
[13] ينظر: م ن: 4/173.
[14] كان فارسا وشاعرا يلقب بسيد اليهود أظهر قوة عظيمة عند قتال المسلمين فلما برز للحرب ارتجز وقال: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ   إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ (ينظر: الطبقات الكبرى: 2/85).
[15] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 1/12.
[16] الفائق في غريب الحديث: 1/266، وحتى دلالة الأسد في ذاتها لا تحمل دلالة الشجاعة إنَّما مجازاً.
[17] غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/102، وقَالَ سَلَمة: ( ثم إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلّى الله عليه وسلم أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه [وآله] وسلم فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِي مَرْحَبُ... فَقَالَ عَلِيٌّ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَبَرَكَاتُهُ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ... فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ بِالسَّيْفِ وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ ). الطبقات الكبرى: 2/110، وقال ابن الأثير: (كانت ضربات علي مبتكرات لا عونا). النهاية في غريب الحديث: 4/21.   
[18] ينظر: الفائق في غريب الحديث: 1/261.
[19] ينظر: دلائل الإعجاز: 72.
[20] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 124-127.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2874 Seconds