بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
النّقْب نَقْب الحائط والدخول في عُمْقه[1]. ونَقِبَ خُف البَعِيْر إذا تَخَرّق، ورَقَّتْ أَخْفَافُهُ[2]. والنَّقْبَةُ قُرْحَةٌ تخرج بجنب الدَّابة تهجم على الجَوْف ويكون لها رأس من الدَّاخل[3]. وهي أيضاً أولُ الجَرَب في الدَّابَّة من الإِبِل. ورُبّما كانت في مِشْفَرِ البَعِير أو ذَنَيِهِ[4]. ومفردة (النَّقِب) من الفاظ نهج البلاغة التي استعملها الإمام (عليه السلام) مرة واحدة[5]. للدلالة على ما يُصيب البَعِير من تَخَرّقٍ في خُفِّهِ. وذلك في سياق وَصِيَّتِه لبعض عمّاله على الصّدقات التي يأخذها من النّاس، إذ يُوْصِيْهِ بِأنْ يَرْفق ببعض ما أعتَلَّ منها. وذلك في قوله (عليه السلام): ((... فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأوعِزْ[6] إِلَيْهِ: أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا[7]... وَلْيَسْتَأْنِ[8] بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ...))[9]. أراد أنّ عامل الصدقات لا يُوكِّل على حفظ الصَّدقات إلاّ مَنْ كان أَمِيْناً يوثق بدينه، ولهذا وصفه بلفظة (أَمِيْنُكَ)، ثم أمره أنْ يَطْلِب اليه أنْ لا يفرّق بين ناقة وولدها، وأنْ يَتَأنَّ ولاُ يعْجِلَ منها ما كان نَقِبَ الخُفِّ رَقِيْقُه، بحيث تكاد الأرض أنْ تَجْرَحه إذا مَشى عليها [10]. ولهذا أمر أنْ يَسْتَأنِ بهذا الضَّرْب من الدواب المَعْلُولة في مِشيتها التي لا تستطيع السَّيْر، لما فيها من نَقَب، أو عَرَجٍ في أَرْجُلها[11]. والإمام يجمع في هذا السَّياق بين الدواب التي فيها عاهة في أَرْجُلِها وأيديها، فيمنعها ذلك من المشي المعتاد لديها. إذ يحتمل أنْ يُراد بـ(النَّقِب) في هذا السّياق البَعِيْر الأَجْرَب الذي أَصًابتَهُ عِلّة الجرب في بدنِه، فَسَاَءتْ مَشافِره، وبَقِيّة جِسْمه، وأنْهَكَه المَرَضَ. وذلك مأخوذ من (النَّقب) وهو الجَرَب عامة[12]. فهو مرض ينقب جِلْدَ البَعِيْر ويَخْرقه فيصاب جَنْبَه أو وِرْكَهُ، أو مَشَافِرَه حتى تشريه كُلّه[13]. و(النُّقْبَة) عِلّةٌ في سُرَّةِ الدَّابَّةِ أيضاً يَسِيْلُ منها ماءٌ أَصْفَر يَنْقُبها البِيْطَارُ بِمِنْقَبِهِ[14] حتى تَبْرأ. وبهذهِ الدلالات، يَصير المعنى: أنّ التأني يكون بِمَنْ أَصابه الجَرَبَ من الإبل فأنهكه وبالظالع الذي يَغُمِز في مِشْيَتِه؛ لأنهما لا يستطيعان السَّيْرَ عند مماشاتهما بقية الدواب. ولم أجد من الشُرَّاح من أشار إلى ما تقدم من دلالة لمفردة (النَّقِب) في كلام الإمام (عليه السلام) وتفسيرها بالأجْرَب من الإبل، إلاّ ابن الأثير الجزري عندما نقل كلامه (عليه السلام): ((وَلْيَسْتَأنِ بالنَّقِبِ والظَّالِعِ))؛ إذ نقله برواية نصّها: ((وَلْيَسْتَأنِ بِذَاتِ النَّقِبِ والظَّالِعِ))[15]. وعلق عليها بقوله: ((أي: بذاتِ الجَرَب والعَرْجاء)) [16].)[17].
الهوامش:
[1] ينظر: تهذيب اللغة (نقب): 9/159.
[2] ينظر: العين (نقب): 5/179، ولسان العرب (نقب): 1/765.
[3] ينظر: العين (نقب): 9/159، وتهذيب اللغة (نقب): 9/160.
[4] ينظر: لسان العرب (نقب): 1/766.
[5] المعجم المفهرس لالفاظ نهج البلاغة: 455.
[6] الوَعْزُ التَّقْدُمَة في الأَمْرِ. ينظر: لسان العرب (وعز): 5/430.
[7] الفَصِيْلُ ولد النَّاقَةِ إذا فُصِلَ عن أُمّهِ. ينظر: لسان العرب (فصل): 11/522.
[8] يَسْتأنِ من الأَناة، وهي الحِلْمُ والوقار في اللغة، والبُطْءُ. ينظر: لسان العرب (أني): 14/48.
[9] نهج البلاغة: ك/25: 483.
[10] ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 15/119.
[11] ينظر: الديباج الوضي: 5/2220.
[12] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/158.
[13] نفسه.
[14] ينظر: لسان العرب (نقب): 1/766.
[15] نفسه.
[16] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/158.
[17] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 46-47.