بقلم: الدكتور محمد سعدون عبيد العكيلي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
وذكر الكوفي[1] رواية عن علاقة الإمام علي (عليه السلام) بالرسول (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: (... عن أبي البختري عن علي، قالوا له: أخبرنا عن نفسك، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتُدئتُ).
ويتفق ابن سعد[2] مع الكوفي في مضمون الرواية إلا أنه يختلف معه في السند حيث يزيد عليه بشخص وهو (محمد بن عبيد) وأيضاً في تسلسل الكلام عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) حين سُئل عن عدة أشخاص من الصحابة الكرام فأجاب ثم سُئل عن شخصه وعند متابعتنا للرواية التي رواها ابن سعد ومقارنتها مع الرواية التي أوردها ابن أبي شيبة نجد الاختلاف واضحًا. ويوردها ابن سعد بالصيغة التالية: (خبرنا أبو معاوية الضرير ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال أتينا عليا فسألناه عن أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله)فقال عن أيهم قلنا حدثنا عن عبد الله بن مسعود، قال علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى بذلك علما، قال قلنا حدثنا عن أبي موسى قال صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه قال قلنا حدثنا عن عمار بن ياسر فقال مؤمن نسي وإذا ذكر ذكر، قال قلنا حدثنا عن حذيفة فقال أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قال قلنا حدثنا عن أبي ذر قال وعى علما ثم عجز فيه، قال قلنا أخبرنا عن سلمان قال أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا ينزح قعره منا أهل البيت، قال قلنا فأخبرنا عن نفسك يا أمير المؤمنين قال إياها أردتم كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت).
ويتفق الهيثمي[3] مع ابن أبي شيبة الكوفي في سرد ذيل الرواية وهو جواب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حينما سُئل عن نفسه إلا إنَ الاختلاف قد ورد في السند وبعض النصوص في الرواية حيث إجابة الإمام عن الأسئلة التي تخص بعض الصحابة الكرام مثل عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) فيوردها بالنص التالي: (وعن قيس بن أبي حازم قال سئل علي عن عبد الله بن مسعود فقال قرأ القرآن ووقف عند متشابهه وأحل حلاله وحرم حرامه وسئل عن عمار فقال مؤمن نسي إذا ذكر ذكر وقد حشي ما بين قرنه إلى كعبه ايمانا وسئل عن حذيفة فقال كان أعلم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمنافقين وسأل عن المعضلات حتى عقل عنها تجدوه بها عالما قال فحدثنا عن سلمان قال من لكم بمثل لقمان الحكيم امرؤ منا أهل البيت أدرك العلم الأول والآخر وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر بحر الاسراف، قلنا حدثنا عن عمار بن ياسر قال امرؤ خلط الايمان بلحمه ودمه وشعره وبشره حيث زال زال معه لا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا قلنا فحدثنا عن نفسك قال مهلا نهى الله عن التزكية قال له رجل فان الله عز وجل يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[4]، قال فاني أحدث بنعمة ربي كنت والله إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت). ويختلف السيوطي[5] عن ابن أبي شيبة بسند الرواية اختلافًا كلي وأيضاً في نص الرواية حيث يذكر: (أخرج الطبراني عن أبي الأسود الدؤلي وزاذان الكندي قالا قلنا لعلي حدثنا عن أصحابك فذكر مناقبهم قلنا فحدثنا عن نفسك قال مهلا نهى الله عن التزكية، فقال له رجل فان الله يقول وأما بنعمة ربك فحدث قال فإني أحدث بنعمة ربي كنت والله إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت). ولربما سائل يسأل عن قول الإمام (إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت). فإلى من يكون سؤال أمير المؤمنين؟ وما نوع الشيء الذي يروم الحصول عليه من السؤال؟ لا أجد جوابًا كافيًا وشافيًا لهذه الأسئلة إلا أن أذكر هذه الرواية التي ذكرها الكوفي[6] حيث أغنانا بالجواب الشافي جزاه الله خيراً. فيورد ويقول: ... عمرو بن هند الجملي عن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني، وإذا سكت ابتدأني. أرجو أن اكون قد قاربت الحقيقة إذا قلت إنَ الإمام عليًا (عليه السلام) كان ليس له سؤال سوى العلم وكيف لا وهو القائل (علمني رسول الله ألف باب من العلم) وتعزيزاً لهذا التحليل قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) (أنا مدينة العلم وعلي بابها)[7].
ويذكر الكوفي[8] برواية أُخرى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذاكراً ما وصفه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) من فضل له وقرابة ومنزلة منه حيث يقول: (حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال: قلت: يا أبا إسحاق! أين رأيته؟ قال: وقف علينا في مجلسنا فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا علي).
ونجد هنا أصلًا للرواية كان قد سبق الكوفي في روايتها وهو مختلف عنه بالسند وبالنص وهو أبو حمزة الثمالي[9] حيث يروي برواية طويلة ويقول: (أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد البيع البغدادي أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الحافظ، حدثنا جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي، حدثنا نصر بن مزاحم، عن أبي ساسان وأبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عامر بن واثلة قال: كنت مع علي (عليه السلام) في البيت يوم الشورى فسمعت عليا يقول لهم: لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم يغير ذلك. قال: فأنشدكم الله هل فيكم أحد أمره رسول الله بأن يأخذ براءة من أبي بكر، فقال له أبو بكر يا رسول الله أنزل في شيء؟ فقال له: إنه لا يؤدي عني إلا علي غيري؟ قالوا: اللهم لا). نجد هنا إنَ موضوع الرواية له أصل وجذر تاريخي فهو موضوع غاية في الحساسية حيث احتجاج أمير المؤمنين على جماعة الشورى الذين عينهم عمر بن الخطاب قبل موته لاختيار الخليفة من بعده. فنلاحظ أن ابن أبي شيبة يأتي بالرواية مبتورة هذا من جانب ومن جانب آخر يذكرها دون ذكر سبب حدوثها. ونجد من يتفق مع الكوفي بالسند والنص مثل ابن أبي عاصم[10] فهو يذكر ابن أبي شيبة بسنده مشيراً له بكنيته (أبو بكر) فيورد ويقول: (... ابن جنادة قال: فقلت: يا أبا إسحاق أين رأيته؟ قال: وقف علينا في مجلسنا فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي). وأيضاً يتفق محمد بن مسلم[11] مع ابن أبي عاصم إلا أنه يضيف إلى سند الرواية محمد بن منصور عن عثمان وهو عم ابن أبي شيبة الكوفي الذي عُرف عنه غير ثقة. فيقول: (محمد بن منصور عن عثمان بن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحاق: عن حبشي بن جنادة السلولي: قال شريك: قلت لأبي إسحاق: إني سمعت هذا من حبشي؟ قال: مر علينا في مجلسنا هذا فقال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يؤدي عني إلا علي).
كذلك نلاحظ الشيخ الصدوق[12] يورد الرواية بسنده بالشكل التالي: (وباسناده عن علي (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا يؤدي عني إلا علي ولا يقضي عداتي إلا علي). فهنا الاختلاف فقط بالكلمة عداتي بدلاً عن كلمة عني. ويروي الطبري الشيعي[13] الرواية بنص مختلف كأنما يرد بها على سؤال أو يحتج بها على جهة مخالفة فيقول: (أليس قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا يؤدي عني إلا علي؟). وهي بصيغة سؤال للمتكلم)[14].
الهوامش:
[1] المصنف، ج7، ص495.
[2] الطبقات الكبرى، ج2، ص346؛ الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت 548هـ)، الاحتجاج، تحقيق: محمد باقر الخرسان، د- ط، دار النعمان، (النجف الأشرف - 1386هـ)، ج1، ص388.
[3] نور الدين علي بن أبي بكر (ت807هـ)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، د- ط، دار الكتب العلمية، (بيروت - لبنان)، (1408هـ - 1988م)، ج9، ص157- ص158.
[4] سورة الضحى، آية: 11.
[5] الدر المنثور، في التفسير بالمأثور، د- ط، دار المعرفة، (بيروت، د- ت)، ج6، ص363.
[6] المصنف، ج7، ص495.
[7] الزمخشري، الفايق في غريب الحديث، ج2، ص16.
[8] المصنف، ج7، ص495.
[9] ثابت بن دينار (ت148هـ)، تفسير القرآن الكريم، اعاد جمعه وتأليفه: عبد الرزاق محمد حرز الدين، مراجعة وتقديم: محمد هادي عرفة، د- ط، مطبعة الهادي، (د- م، 1420هـ)، ص188؛ الشيخ المفيد، الإرشاد، ج1، ص66؛ الطوسي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، دار الثقافة، (قم - 1414هـ)، ص548.
[10] أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287هـ)، السنة، تحقيق: محمد ناصر الألباني، ط3، المكتب الإسلامي، (بيروت - لبنان)، (1413هـ - 1993م)، ص584.
[11] مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ج1، ص464.
[12] عيون أخبار الرضا، ج2، ص66.
[13] المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ص577.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخبار الإمام علي بن ابي طالب في كتاب المصنف لابن ابي شيبة الكوفي: تأليف محمد سعدون عبيد العكيلي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 122-116.